(لو أن رجلاً وجد مع امرأته رجلاً) في هذا الأسلوب كناية، فليس القصد مطلق رجل وإن كان محرمًا، ولا مطلق وجوده معها، بل المراد وجد رجلاً أجنبيًا يزني بها.
(أيقتله فتقتلونه؟ ) قصاصًا؟
(أم كيف يفعل؟ ) أمام هذا الوضع المثير للغيرة التي في طبائع البشر، في الرواية الرابعة "كيف يصنع؟ إن تكلم تكلم بأمر عظيم، وإن سكت سكت على مثل ذلك" وفي الرواية العاشرة "فتكلم جلدتموه؟ أو قتل قتلتموه؟ وإن سكت سكت على غيظ"؟ .
(فسل لي عن ذلك يا عاصم) خص عاصمًا بذلك - كما تقدم - لأنه كان كبير قومه، وصهره على ابنته أو ابنة أخيه. وهل كان المسئول عنه قد وقع محققًا عند عويمر؟ فخشي من العقوبة إن صرح به؟ أو كان شكًا متخيلاً عن عويمر، لم يتحقق منه بعد في امرأته؟ أو كان مجرد سؤال ورد على خاطره، دون بواعث من زوجته؟ .
(فسأل عاصم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم) صيغة السؤال مذكورة في الرواية الثالثة، وعبر عنه في الرواية الثانية عشرة بعبارة "فقال عاصم بن عدي في ذلك قولاً، ثم انصرف".
(فكره رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها، حتى كبر على عاصم ما سمع من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم) المراد كراهة المسائل التي لا يحتاج إليها، لا سيما ما كان فيه هتك ستر مسلم، أو إشاعة فاحشة، أو تشنيع، وليس المراد المسائل التي يحتاج إليها إذا وقعت، فقد كان المسلمون يسألون عن النوازل، فيجيبهم صلى الله عليه وسلم بغير كراهة. فلما كان في سؤال عاصم شناعة، ويترتب عليه تسليط اليهود والمنافقين على أعراض المسلمين كره مسألته. وربما كان في المسألة تضييق، والأمر بدونها ميسر، كالرجل الذي سأل عن الحج. أهو كل عام؟ وكان صلى الله عليه وسلم يحب التيسير على أمته، فكره السؤال مخافة أن يكون في جواب التشريع تضييقًا. وقال الشافعي: كانت المسائل فيما لم ينزل فيها حكم زمن نزول الوحي ممنوعة، لئلا ينزل الوحي بالتحريم فيما لم يكن قبل ذلك محرمًا، فيحرم.
ومعنى "وعابها" أي وبخ سائلها وأنبه، ومعنى "كبر على عاصم" بفتح الكاف وضم الباء، أي عظم واشتد القول على عاصم، لأن الحامل له على السؤال شخص آخر، وتحمل هو الإنكار والتأنيب، ولذلك قال لعويمر حين سأله: لم تأتني بخير.
(فقال عويمر: واللَّه لا أنتهي حتى أسأله عنها) الظاهر أن كلام عويمر مع عاصم أولا كان قبل أن يعلم عويمر الفاحشة بيقين، وأن عاصمًا سأل عن الأمر قبل وقوعه، فوقع لعويمر التحقق، فقال لعاصم: "إن الذي سألتك عنه قد ابتليت به" وأصر على أن يعرف الحكم، فذهب بنفسه يستفتي في اليوم الثاني أو الثالث من سؤال عاصم وكان هلال بن أمية قد سأل بعد عاصم، ونزلت آية اللعان، فلما جاء عويمر قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد نزل فيك وفي صاحبتك" ... إلخ.