الحسن البصري، فإنه قال: لا يجب عليها الإحداد، وهو قول شذ به عن أهل العلم، وخالف به السنة. فلا يعرج عليه.

ودليل الوجوب ليس قوله صلى الله عليه وسلم "لا يحل لامرأة ... " بل قيل: إن هذا لا يصلح دليلاً للوجوب لأن الاستثناء وقع بعد النفي، فيدل على عدم الحل فوق الثلاث، أما الثلاث لغير الزوج والأربعة أشهر وعشرًا للزوج فلا يفيد الأسلوب الوجوب، قال الحافظ ابن حجر: الوجوب استفيد من دليل آخر كالإجماع. وقيل: إن السياق يدل على الوجوب، فإن كل ما منع منه إذا دل دليل على جوازه كان ذلك الدليل بعينه دالاً على الوجوب. وعندي أن الأسلوب لا يدل على الوجوب وإلا لوجب الإحداد على القريب ثلاثة أيام، وليس كذلك، فالأولى ما قاله الحافظ ابن حجر. ومذهب الشافعي والجمهور أن الإحداد واجب على كل زوجة معتدة عن وفاة، سواء المدخول بها وغيرها، والصغيرة والكبيرة، والبكر والثيب، والحرة والأمة، والمسلمة والكافرة.

وقال أبو حنيفة وغيره من الكوفيين وأبو ثور وبعض المالكية: لا يجب على الزوجة الكتابية، بل يختص بالمسلمة، لقوله صلى الله عليه وسلم "تؤمن بالله واليوم الآخر" فخصه بالمؤمنة، ويجيب الجمهور: بأن هذا القيد ليس للاحتراز، بل هو للتهييج والإثارة للانصياع للحكم، لأن المؤمن هو الذي يستثمر خطاب الشرع، وينتفع به، وينقاد له، وحقوق الذمية في النكاح كحقوق المسلمة كالنفقة والسكنى وغيرها.

وقال أبو حنيفة أيضًا: لا إحداد على الصغيرة ولا على الزوجة الأمة، لقوله "لا يحل لامرأة" والصغيرة لا يعبر عنها بامرأة، ولأنها غير مكلفة، والجمهور على أن وليها مسئول عن تنفيذ ما يجب عليها، فهو المخاطب بمنعها مما تمنع منه. وأجمعوا على أنه لا إحداد على أم الولد، ولا على الأمة الموطوءة بملك اليمين إذا توفي عنهما سيدهما.

الثانية: إحداد المطلقة التي توفي زوجها وهي في العدة. قال النووي وغيره: المطلقة طلاقًا رجعيًا لا يجب عليها الإحداد اتفاقًا.

واختلفوا في المطلقة ثلاثًا، فقال عطاء وربيعة ومالك والليث والشافعي وابن المنذر: لا إحداد عليها، لأن الإحداد يجب في عدة الوفاة، وهذه معتدة عن غير وفاة، فلم يجب عليها الإحداد كالرجعية، ولأن الإحداد في عدة الوفاة لإظهار الأسف على فراق الزوج بموته، فأما الطلاق فباختيار الزوج نفسه، فلا معنى لتكليفها الحزن عليه. واختلفت الرواية عن أحمد في وجوب الإحداد على المطلقة البائن.

الثالثة: الحكمة في الإحداد ومدته، يقول النووي: قال العلماء: والحكمة في وجوب الإحداد في عدة الوفاة دون الطلاق أن الزينة والطيب يدعوان إلى النكاح، ويوقعان فيه فنهيت عنه، ليكون الامتناع من ذلك زاجرًا عن النكاح، لكون الزوج ميتًا، لا يمنع معتدته من النكاح، ولا يراعيه ناكحها، ولا يخاف منه، بخلاف المطلق الحي، فإنه يستغني بوجوده عن زاجر آخر، ولهذه العلة وجبت العدة على كل متوفى عنها، وإن لم تكن مدخولاً بها، بخلاف الطلاق.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015