نفاسها. هذا وقد نقل غير واحد الإجماع على أنها لا تنقضي عدتها بالأشهر الأربعة والعشر إذا طالت فيها مدة الحمل، فلا تنقضي عدتها في هذه الحالة إلا بالوضع، والخلاف فقط فيما إذا وضعت قبل أربعة أشهر وعشر.
وحجة الجمهور حديث سبيعة، وهو مخصص لعموم قوله تعالى: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا يتربصن بأنفسن أربعة أشهر وعشرًا} أي إذا لم تكن حاملاً.
وحديث سبيعة مبين أن قوله تعالى: {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} عام في المطلقة والمتوفى عنها، وأنه على عمومه. قال الجمهور: وقد تعارض عموم هاتين الآيتين، وإذا تعارض العمومان وجب الرجوع إلى مرجح، لتخصيص أحدهما، وقد وجد هنا حديث سبيعة المخصص لأربعة أشهر وعشر، وأنها محمولة على غير الحامل. قال ابن عبد البر: لولا حديث سبيعة لكان القول ما قال علي وابن عباس، لأنهما عدتان مجتمعتان بصفتين، وقد اجتمعتا في الحامل المتوفى عنها زوجها، فلا تخرج من عدتها إلا بيقين، واليقين آخر الأجلين. اهـ. أي لكن حديث سبيعة نص في المسألة.
أما الرد على الشعبي ومن معه فإنه يرد عليهم قولها في الرواية الأولى "فأفتاني النبي صلى الله عليه وسلم بأني قد حللت حين وضعت حملي" وهذا تصريح بانقضاء العدة بنفس الوضع، فإن احتجوا بقولها في الرواية الأولى "فلما تعلت من نفاسها" أي طهرت منه فالجواب أن هذا إخبار عن وقت سؤالها ولا حجة فيه، وإنما الحجة في قول النبي صلى الله عليه وسلم "إنها حلت حين وضعت" ولم يعلل بالطهر من النفاس.
قال النووي: قال العلماء من أصحابنا وغيرهم: سواء كان حملها ولدًا أو أكثر، وسواء كان كامل الخلقة أو ناقصها، أو علقة، أو مضغة، فتنقضي العدة بوضعه، ودليله إطلاق سبيعة من غير سؤال عن صفة حملها.
-[ويؤخذ من الحديث]-
1 - أن الصحابة كانوا يفتون في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.
2 - وأن المفتي إذا كان له ميل إلى الشيء لا ينبغي له أن يفتي فيه، لئلا يحمله الميل إليه على ترجيح ما هو مرجوح، كما وقع من أبي السنابل.
3 - وفيه شهامة سبيعة وفطنتها، حيث ترددت فيما أفتاها به، وحملها ذلك على استيضاح الحكم من الشارع، وكذا ينبغي لمن ارتاب في فتوى المفتي أو حكم الحاكم في مواضع الاجتهاد أن يبحث عن النص في تلك المسألة.
4 - وفيه الرجوع في الوقائع إلى الأعلم.
5 - ومباشرة المرأة السؤال عما ينزل بها ولو كان مما يستحي النساء من مثله.
6 - وفيه جواز تجمل المرأة بعد انقضاء عدتها لمن يخطبها.