بمارية بيت حفصة [كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أسكن "مارية" جاريته بيتًا في عوالي المدينة، ونكحها بملك اليمين، فولدت له إبراهيم، ولم يكن يقسم لها مع نسائه، لأنها جارية، لا حق لها في القسم، وجاءت من عوالي المدينة لحاجة، وكان بيت حفصة خاليًا في هذا الوقت، فدخل بمارية فيه] فجاءت، فوجدتها معه، فقالت: يا رسول الله، في بيتي؟ تفعل هذا معي دون نسائك؟ الحديث.
وللطبراني عن ابن عباس قال: "دخلت حفصة بيتها، فوجدته يطأ مارية، فعاتبته ... الحديث.
وروى النسائي عن أنس هذه القصة مختصرة "أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له أمة يطؤها، فلم تزل به حفصة وعائشة حتى حرمها، فأنزل الله تعالى {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك} الآية.
قال الحافظ ابن حجر: هذه الطرق يقوي بعضها بعضًا، فيحتمل أن تكون الآية نزلت في السببين معًا. اهـ وسواء أكان هذا هو السبب أو ذاك فإن النتيجة أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم على نفسه شيئًا أحله الله له، وتحريم الحلال على وجهين.
الأول: اعتقاد ثبوت حكم التحريم فيه، وهو كاعتقاد ثبوت حكم التحليل في الحرام، وهو محظور، يوجب الكفر، فلا يمكن صدوره من المعصوم أصلاً، وقد زل الزمخشري، فزعم أن ما وقع منه صلى الله عليه وسلم من تحريم الحلال المحظور، لكنه غفر له صلى الله عليه وسلم، وقد شن عليه العلماء غارة كبرى من التشنيع.
الثاني: الامتناع من الحلال مطلقًا من غير حلف، أو مؤكدًا بالحلف، مع اعتقاد حله، وهذا مباح صرف، وحلال محض، ولو كان ترك المباح والامتناع منه غير مباح لاستحالت حقيقة الحلال، فإن أصل الحلال أن يفعل أو يترك. وما وقع منه صلى الله عليه وسلم كان من هذا النوع، وإنما عاتبه الله عليه رفقًا به، وتنويهًا بقدره، وإجلالاً لمنصبه صلى الله عليه وسلم أن يراعي مرضاة أزواجه على حساب نفسه، وبما يشق عليه. وفي وقوع الحلف منه على ذلك خلاف.
ومعنى {قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم} أي قد شرع لكم تحليلها، وهو حل ما عقدته الأيمان بالكفارة. {وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثًا} هو. شربت عسلاً عند زينب ولن أعود له. وقد حلفت. لا تخبري بذلك أحدًا. أو هو: قد حرمت مارية على نفسي، واكتمي علي. {فلما نبأت به} أي فلما أخبرت عائشة حفصة بالحديث، أو فلما أخبرت حفصة عائشة بالحديث، وكانتا متصادقتين {وأظهره الله عليه} وأطلعه على إفشاء السر {عرف بعضه وأعرض عن بعض} أعلم مفشية السر أنه علم بعض ما أفشى، وأخفى أنه علم كل ما أفشى. تكرمًا منه صلى الله عليه وسلم وتخفيفًا من خجلها {فلما نبأها به} أي بما أراد مما عرف {قالت من أنبأك هذا} تظن أن أختها فضحتها وكشفت سرها. {قال نبأني العليم الخبير} قيل: إن السر كان مكونًا من جزأين. تحريم العسل أو مارية، والإخبار بأن أبا بكر وعمر سيليان الأمر بعده، فعاتب عن الأول، وأعرض عن الثاني مخافة أن يفشو {إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما} أي فقد أديتما ما وجب عليكما، والخطاب لعائشة وحفصة على الصحيح {وإن تظاهرا عليه} أي وإن تتعاونا عليه بما يسوؤه {فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير}