لا ينطقون بالثلاث، ولا يستعملون الثلاث أصلاً، أو كانوا يستعملونها نادرًا، وأما في عصر عمر فكثر استعمالهم لها. ومعنى قوله "فأمضاه عليهم وأجازه" أنه صنع فيه من الحكم بإيقاع الطلاق ما كان يصنع قبله. ورجح هذا التأويل ابن العربي، ونسبه إلى أبي زرعة الرازي، أورده البيهقي بإسناده الصحيح إلى أبي زرعة أنه قال: معنى هذا الحديث عندي أن ما تطلقون أنتم ثلاثًا كانوا يطلقونه واحدة، قال النووي: وعلى هذا فيكون الخبر وقع عن اختلاف عادة الناس خاصة، لا عن تغير الحكم في الواحدة.
8 - دعوى وقف حديث ابن عباس، إذ ليس في السياق أن ذلك كان يبلغ النبي صلى الله عليه وسلم، فيقره، والحجة إنما هي في تقريره. وإذا كان المحدثون قد قالوا: إن قول الصحابي: كنا نفعل كذا في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم له حكم المرفوع على الراجح. فإن هذا ينبغي أن يكون مرجوحًا إذا عورض بمثل هذه المعارضة، وإذا كانت هناك قرائن تبعده، ومن القرائن حديث ركانة في روايته القوية "أنه طلق امرأته البتة. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: الله ما أردت إلا واحدة - أي احلف بالله ما أردت إلا واحدة - قال: الله ما أردت إلا واحدة" فهذا دليل على أنه لو أراد الثلاث لوقع الثلاث.
وهذا الذي تستريح إليه النفس في حديث ابن عباس. والله أعلم.
قال النووي: وأما الرواية التي رواها المخالفون أن ركانة طلق ثلاثًا، فجعلها واحدة، فرواية ضعيفة عن قوم مجهولين، وإنما الصحيح منها ما قدمناه أنه طلقها البتة، ولفظ "البتة" محتمل للواحدة وللثلاث، ولعل صاحب هذه الرواية الضعيفة اعتقد أن لفظ "البتة" يقتضي الثلاث، فرواه بالمعنى الذي فهمه، وغلط في ذلك.
وأما حديث ابن عمر فالروايات الصحيحة التي ذكرها مسلم وغيره أنه طلقها واحدة. اهـ.
وأما قولهم: من قال: أحلف بالله ثلاثًا لا يعد حلفه إلا يمينًا واحدًا، فكذلك الطلاق. فقد رده الحافظ ابن حجر باختلاف الصيغتين، فإن المطلق ينشئ طلاق امرأته، وقد جعل أمد طلاقها ثلاثًا، فإذا قال: أنت طالق ثلاثًا فكأنه قال: أنت طالق جميع الطلاق، وأما الحلف فلا أمد لعدد أيمانه فافترقا.
أما بعد. فيعجبني قول الحافظ ابن حجر: وفي الجملة فالذي وقع في هذه المسألة نظير ما وقع في مسألة المتعة، سواء بسواء، أعني قول جابر: إنها كانت تفعل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدر من خلافة عمر. قال: ثم نهانا عمر عنها، فانتهينا.
فالراجح في الموضعين تحريم المتعة، وإيقاع الثلاث، للإجماع الذي انعقد في عهد عمر على ذلك، ولا يحفظ أن أحدًا في عهد عمر خالفه في واحدة منهما، وقد دل إجماعهم على وجود ناسخ، وإن كان خفي عن بعضهم قبل ذلك، حتى ظهر لجميعهم في عهد عمر، فالمخالف بعد هذا الإجماع منابذ له، والجمهور على عدم اعتبار من أحدث الاختلاف بعد الاتفاق. والله أعلم.
النقطة الثانية: قال النووي: اختلف العلماء فيما إذا قال لزوجته: أنت علي حرام. فمذهب