طهر لم يجامع فيه، فهي بذلك تعتد بذلك الطهر ويحسب لها قرءًا من ثلاثة قروء، على مذهب الشافعي وموافقيه، بتفسير القرء بالطهر، وإذا فسر القرء بالحيض كما يقول أبو حنيفة وموافقوه، استقبلت عدتها بالحيضة التي تلي الطهر الذي لم تجامع فيه.
(أما أنت طلقت امرأتك مرة أو مرتين فإن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أمرني بهذا، وإن كنت طلقتها ثلاثًا فقد حرمت عليك حتى تنكح زوجًا غيرك، وعصيت اللَّه فيما أمرك من طلاق امرأتك) في الرواية الرابعة "أما أنت طلقتها واحدة أو اثنتين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يراجعها .. وأما أنت طلقتها ثلاثًا فقد عصيت ربك فيما أمرك به من طلاق امرأتك، وبانت منك".
ومقصود العبارتين أن الرجعة المأمور بها إنما تكون بعد طلقة واحدة أو طلقتين. فإن طلقها الثالثة في حيض بانت منه، ولا رجعة، والطلاق في الحيض حرام ومعصية، سواء كانت طلقة أولى أو ثانية أو ثالثة.
هذا مقصود العبارتين، أما كيفية دلالة الألفاظ على هذا المقصود فقد قال القاضي عياض: قيل: إنه بفتح الهمزة من "أما" أي وتخفيف الميم، بعدها "إن" الشرطية - أي أما إن كنت، فحذفوا الفعل "كان" فانفصل الضمير "أنت" وفتحوا همزة "إن" الشرطية، وأدغموا النون في "ما" فصارت "أما أنت" بتشديد الميم، ويدل على ذلك قوله بعد "وإن كنت طلقتها ثلاثًا .... ".
(قلت لنافع: ما صنعت التطليقة؟ قال: واحدة اعتد بها) أي ماذا كانت نتيجة التطليقة التي طلقها ابن عمر في الحيض؟ قال: كانت واحدة، فحسبت عليه، فاعتد بها ابن عمر، وحسبها، وفي الرواية الخامسة "وكان عبد الله طلقها تطليقة واحدة، فحسبت من طلاقها، وراجعها ... " وفي ملحق هذه الرواية "قال ابن عمر: فأرجعتها، وحسبت لها التطليقة التي طلقتها" وفي الرواية الثامنة "أفحسبت عليه؟ قال: فمه؟ أو إن عجز واستحمق؟ ".
"فمه" الفاء في جواب شرط مقدر، و"مه" اسم فعل أمر، أي إذا كان الأمر واضحًا فانزجر وكف عن الشك في احتسابها. وقيل "مه" أصلها "ما" الاستفهامية، أبدلت الألف هاء، كما قالوا في "مهما" أصلها "ماما" أي: أي شيء؟ والمعنى: فماذا يترتب على احتسابها؟ أي لا يترتب على احتسابها شيء، فلا يكون إلا احتسابها، ومعنى "أو إن عجز واستحمق" أفيرتفع عنه الطلاق لأنه جهل الحكم وكان أحمق؟ والاستفهام إنكاري، أي لا مانع من حسبان الطلاق وإن كان عاجزًا عن إدراك الحكم ساعتها وكان أحمق، وفي الرواية العاشرة "أفتحتسب بها؟ قال: ما يمنعه"؟ أي ما يمنع ابن عمر من احتسابها؟ "أرأيت إن عجز واستحمق"؟ أي أخبرني إن لم يدرك الحكم وصار أحمق. أيعفيه ذلك من احتسابها؟ لا يعفيه، وفي الرواية الحادية عشرة "قال: ما لي لا أعتد بها؟ وإن كنت عجزت واستحمقت"؟ وجاء في غير مسلم أن ابن عمر قال: أرأيت إن كان ابن عمر عجز واستحمق، فما يمنعه أن يكون طلاقًا؟ " وقال القاضي: أي إن عجز عن الرجعة، وفعل فعل الأحمق، وقال الكرماني: يحتمل أن يكون كلمة "إن" نافية، أي ما عجز ابن عمر، وما استحمق.