والراوي هنا عن ابن عمر نافع، وقد سمع القصة عن ابن عمر، فحكاها، وهي الرواية الثالثة، يسند القول لابن عمر، "قال: طلقت امرأتي ... " وفي الرواية العاشرة يقول يونس بن جبير: سمعت ابن عمر يقول: "طلقت امرأتي ... " وكذا الرواية الثانية عشرة عن ابن سيرين.
(في عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم) أي في زمنه وأيام حياته، والجار والمجرور متعلق بـ"طلق" قال الحافظ ابن حجر: وأكثر الرواة لم يذكروا ذلك، استغناء بما في الخبر أن عمر سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فاستلزم أن ذلك وقع في عهده.
وزاد في الرواية الثانية "تطليقة واحدة" وفي ملحقها "جود مسلم هذه الزيادة" وقال: جود الليث في قوله "تطليقة واحدة. يعني أنه حفظ وأتقن قدر الطلاق الذي لم يتقنه غيره، ولم يخطئ فيه، ولم يجعله ثلاثًا، كما أخطأ فيه غيره، كما تصرح بهذا الخطأ الرواية الثامنة، ولم يهمله الليث، كما أهملته روايات كثيرة، بل بينه بيانًا صحيحًا.
(فسأل عمر بن الخطاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن ذلك) الإشارة إلى الطلاق بهذه الصفة، وفي الكلام مضاف محذوف، أي عن حكم ذلك الطلاق، وفي الرواية الحادية عشرة "فذكر ذلك لعمر، فذكره للنبي صلى الله عليه وسلم" وفي سؤال عمر النبي صلى الله عليه وسلم إشعار بأنه لم يتقبل هذا العمل شرعًا، إما لأن الطلاق في الحيض كان ممنوعًا منهيًا عنه، وتعقب بأنه لو كان كذلك لعلمه ابن عمر، ولم يفعله، وأجيب بأن عمر ربما كان يعلم أنه ممنوع، لكن لا يعلم ماذا يصنع من فعل ذلك؟ فسأل، ويحتمل أن حكم الطلاق في الحيض لم يكن بين بعد، فوقع في نفس عمر تساؤل عنه بعد نزول قوله تعالى: {فطلقوهن لعدتهن} فسأل.
زاد في الرواية الخامسة "فتغيظ رسول الله صلى الله عليه وسلم" قال ابن دقيق العيد: وتغيظ النبي صلى الله عليه وسلم إما لأن المعنى الذي يقتضي المنع كان ظاهرًا، فكان مقتضى الحال التثبت في ذلك، أو لأنه كان مقتضى الحال مشاورة النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك إذا عزم عليه.
(مره فليراجعها) أمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عمر أن يأمر ابنه بالمراجعة. فهل ابن عمر حينئذ يكون مأمورًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وبلغة الأصوليين: هل الأمر بالأمر بشيء أمر بذلك الشيء؟ سيأتي تفصيله وتوضيحه في فقه الحديث، وفي الرواية الثانية "فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يراجعها" والضمير في "فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم" لابن عمر، كما هو ظاهر، فكأن ابن عمر اعتبر أمر عمر أن يأمره أمرًا له من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي ملحق الرواية الثانية "فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني بهذا" أي بالرجعة.
واللام في "فليراجعها" لام الأمر، تجزم الفعل المضارع، والكثير فيها إسكانها بعد الفاء والواو، وقد تكسر، وكسرها بعد "ثم" كثير، وقد تسكن.
وأصل "مر" اؤمر بهمزتين، الأولى همزة الوصل جيء بها توصلاً للنطق بالساكن، كما في اكتب، فإن وصل بما قبله سقطت، نحو قوله تعالى: {وأمر أهلك بالصلاة} [طه: 132] والهمزة الثانية فاء الكلمة، فحذفوها تخفيفًا، فلم يعد هناك داع لهمزة الوصل لتحرك ما بعدها، فقيل "مر".