زيد أبيض من القطن، فجاء أسامة أسود اللون، شديد السواد، فقدح الناس في نسب أسامة، وطعنوا في بنوته لزيد، وأنكروا ذلك، وانتشرت شائعتهم.
فآلم ذلك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأوجع قلبه، وأخذ يتلهف على ما يقطع دابر هذه الشائعة أو يخففها، وجاء هذا القائف، مارًا بالنبي صلى الله عليه وسلم، وبجواره زيد بن حارثة وابنه أسامة، قد تغطيا ببردة من قطيفة، غطيت رءوسهما، وانكشفت أرجلهما، ونظر القائف إلى الأرجل، فعرف أنها من بعضها، فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض، فسر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وفرح بهذا التصريح، لكونه زاجرًا لمن طعن في النسب، لأنهم يعتمدون قول القائف، ودخل مسرورًا على عائشة، يخبرها بتصريح القائف، ووجهه يتهلل ويضيء من الفرح صلى اللَّه عليه وسلم.
-[المباحث العربية]-
(تبرق أسارير وجهه) "تبرق" بفتح التاء وسكون الباء وضم الراء، أي تضيء وتستنير من السرور والفرح، والأسارير هي الخطوط التي في الجبهة، واحدها سر، وسرور، وجمعه أسرار، وجمع الجمع "أسارير" والجملة كناية عن أعراض الفرح والسرور على الوجه من الابتسامة وانبساط التجاعيد وظهور البياض على بشرة الوجه. والجملة حال مؤكدة لمسرورا.
(ألم ترى) المراد من الرؤية هنا العلم، أو الإخبار، والاستفهام إنكاري بمعنى النفي، دخل على نفي، ونفي النفي إثبات، والمعنى اعلمي أو أعلمك، أو أخبرك، وإرادة الإخبار من الرؤية عن طريق المجاز المرسل بعلاقة السببية والمسببية، فإن الرؤية سبب للإخبار كثيرًا.
(أن مجززًا) بضم الميم وفتح الجيم وكسر الزاي المشددة، بعدها زاي أخرى، قال النووي: هذا هو الصحيح المشهور، وحكي أنه بفتح الزاي الأولى، وحكي بإسكان الحاء بعدها راء، والصواب الأول، وذكر أنه سمي مجززًا لأنه كان إذا أخذ أسيرًا في الجاهلية جز ناصيته وأطلقه، وهذا يؤكد صحة الاسم الأول، وعليه فهذا لقب، وكان له اسم آخر غير مجزز: قال الحافظ ابن حجر: لكني لم أر من ذكره.
وكان مجزز عارفا بالقيافة، وذكر فيمن شهد فتح مصر.
وهو ابن الأعور بن جعدة المدلجي - بضم الميم وإسكان الدال وكسر اللام - نسبة إلى مدلج بن مرة بن عبد مناف بن كنانة، وكانت القيافة فيهم، وفي بني أسد، تعترف العرب لهم بذلك، حيث اشتهروا بها، وليس ذلك خاصا بهم على الصحيح، فقد صح أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان قائفًا، وهو قرشي غير مدلجي وغير أسدي.
(نظر آنفًا) أي قريبًا، وهو بمد الهمزة على المشهور، وبقصرها، وقرئ بهما في السبع.
(دخل قائف) المقصود مجزز المصرح به في الرواية السابقة، والقائف هو الذي يعرف الشبه، ويميز الأثر، سمي بذلك لأنه يقفو الأشياء، أي يتتبعها، فكأنه مقلوب من