5 - احتج بعض الحنفية وموافقوهم بهذا الحديث على أن الوطء بالزنا، له حكم الوطء بالنكاح، في حرمة المصاهرة، وبهذا قال أبو حنيفة والأوزاعي والثوري وأحمد، ووجه الاحتجاج به أن سودة أمرت بالاحتجاب.
قال النووي: وهذا احتجاج باطل، والعجب ممن ذكره، لأن هذا على تقدير كونه من الزنا، فهو أجنبي من سودة، لا يحل لها الظهور له، سواء ألحق بالزاني أم لا، فلا تعلق له بالمسألة المذكورة.
وقال مالك والشافعي وأبو ثور وغيرهم: لا أثر لوطء الزنا، بل للزاني أن يتزوج أم المزني بها وبنتها، بل زاد الشافعي، فجوز نكاح البنت المتولدة من مائه بالزنا.
6 - قال النووي: وفي هذا الحديث أن حكم الحاكم لا يحيل الأمر في الباطن، فإذا حكم بشهادة شاهدي زور أو نحو ذلك لم يحل المحكوم به للمحكوم له، وموضع الدلالة أنه صلى الله عليه وسلم حكم به لعبد بن زمعة، وأنه أخ له ولسودة، واحتمل بسبب الشبه أن يكون من عتبة، فلو كان الحكم يحيل الباطن لما أمرها بالاحتجاب.
7 - واستدل به الحنفية [أي بقوله: واحتجبي منه يا سودة] بأنه صلى الله عليه وسلم لم يلحقه بزمعة، لأنه لو ألحقه به لكان أخا سودة، والأخ لا يؤمر بالاحتجاب منه.
وأجاب الجمهور بأن الأمر بذلك كان للاحتياط، لأنه وإن حكم بأنه أخوها، لقوله في الطرق الصحيحة "هو أخوك يا عبد" لكنه لما رأى الشبه بعتبة أمرها بالاحتجاب منه احتياطا، وأشار الخطابي إلى أن في ذلك مزية لأمهات المؤمنين، لأن لهن في ذلك ما ليس لغيرهن. وقال القرطبي - بعد أن قرر أن أمر سودة بالاحتجاب للاحتياط وتوقي الشبهات -: ويحتمل أن يكون ذلك لتغليظ أمر الحجاب في حق أمهات المؤمنين، كما قال: "أفعمياوان أنتما"؟ فنهاهما عن رؤية الأعمى، مع قوله لفاطمة بنت قيس: "اعتدى عند ابن أم مكتوم، فإنه أعمى" فغلظ الحجاب في حقهن، دون غيرهن. قال الحافظ ابن حجر: وأيضا فإن للزوج أن يمنع زوجته من الاجتماع بمحارمها.
8 - واستدل به بعض المالكية على مشروعية الحكم بين حكمين، وهو أن يأخذ الفرع شبها من أكثر من أصل، فيعطي أحكامًا بعدد ذلك، وذلك أن الفراش يقتضي إلحاقه بزمعة في النسب، والشبه يقتضي إلحاقه بعتبة، فأعطى الفرع حكمًا بين حكمين، فروعي الفراش في النسب، والشبه البين في الاحتجاب. قال: وإلحاقه بهما - ولو كان من وجه - أولى من إلغاء أحدهما من كل وجه.
9 - واستدل به على أن السبب لا يخرج، ولو قلنا: إن العبرة بعموم اللفظ، وقد اعترض بهذا على الحنفية، إذ خصوا الفراش بالزوجة، وأخرجوا الأمة حتى تلد الولد الأول كما سبق. فهم بذلك يخرجون السبب، وهو وليدة زمعة.
10 - واستدل به على أن الوصي يجوز له أن يستلحق ولد موصيه، إذا أوصى إليه بأن يستلحقه، ويكون كالوكيل عنه في ذلك.
واللَّه أعلم