خافوا الحرج، وهو الإثم "من غشيانهن" أي من وطئهن، من أجل أنهن زوجات والمزوجة لا تحل لغير زوجها، فأنزل الله إباحتهن.
{والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم} قبل هذه الآية يقول الله تعالى: {حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم} أي وحرم عليكم المحصنات من النساء، أي المتزوجات من النساء اللاتي في عصمة أزواجهن. قال النووي: معناه: والزوجات حرام على غير أزواجهن إلا ما ملكتم بالسبي، فإنه ينفسخ نكاح زوجها الكافر، وتحل لكم إذا انقضى استبراؤها.
(فهن حلال لكم إذا انقضت عدتهن) أي استبراؤهن، واستبراؤهن بوضع الحمل عن الحامل، وبحيضة من الحائل غير الحامل، كما جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة.
-[فقه الحديث]-
قال النووي: واعلم أن مذهب الشافعي ومن قال بقوله من العلماء أن المسبية من عبدة الأوثان وغيرهم من الكفار الذين لا كتاب لهم لا يحل وطؤها بملك اليمين حتى تسلم، فمادامت على دينها فهي محرمة، وهؤلاء المسبيات كن من مشركي العرب عبدة الأوثان، فيؤول هذا الحديث وشبهه على أنهن أسلمن. وهذا التأويل لا بد منه. واختلف العلماء في الأمة إذا بيعت وهي مزوجة مسلماً، هل ينفسخ النكاح، وتحل لمشتريها؟ أم لا؟ فقال ابن عباس: ينفسخ. لعموم قوله تعالى: {والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم} وقال سائر العلماء: لا ينفسخ، وخصوا الآية بالمملوكة بالسبي. قال المازري: هذا الخلاف مبني على أن العموم إذا خرج على سبب. هل يقتصر على سببه؟ أم لا؟ فمن قال: يقتصر على سببه لم يكن فيه هنا حجة للمملوكة بالشراء، لأن التقدير: إلا ما ملكت أيمانكم بالسبي. ومن قال: لا يقتصر، بل يحمل على عمومه قال: ينفسخ نكاح المملوكة بالشراء، لكن ثبت في حديث شراء عائشة "بريرة" أن النبي صلى الله عليه وسلم خير "بريرة" في زوجها، فدل على أنه لا ينفسخ بالشراء. لكن هذا تخصيص عموم القرآن بخبر الواحد، وفي جوازه خلاف. والله أعلم. اهـ
وتوضيحاً لمذهب الشافعي وموافقيه نقول: إن كل صنف حرم وطء حرائرهم بعقد النكاح حرم وطء إمائهم بملك اليمين، ويحل لمسلم نكاح حرائر أهل الكتاب، لقوله تعالى: {وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} [المائدة: 5]. وحرمته الإمامية، تمسكاً بقوله تعالى: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} [البقرة: 221]. وقوله تعالى: {ولا تمسكوا بعصم الكوافر} [الممتحنة: 10]. ولا يحل للمسلم نكاح المشركات، لقوله تعالى: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن}
ومع هذا قال الشافعية: يكره أن يتزوج حرائر أهل الكتاب، وأن يطأ إماءهم بملك اليمين، لأنا لا نأمن أن يميل إليها، فتفتنه عن الدين، أو يتولى أهل دينها، فإن كانت حربية فالكراهية أشد، لأنه لا يؤمن ما ذكرناه، ولأنه يكثر سواد أهل الحرب، ولأنه لا يؤمن أن يسبي ولده منها فيسترق، ولا يؤمن أن تزعزع عقيدة أبنائه منها.