فتحصل من هذا أن البكر غير البالغ يجوز لأبيها أن يزوجها اتفاقاً، وفي تزويج جدها وبقية الأولياء والأوصياء خلاف، وفي خيارها بعد البلوغ خلاف.
هذا عن جواز التزويج، أما ما يستحب فقد قال عنه النووي: واعلم أن الشافعي وأصحابه قالوا: يستحب ألا يزوج الأب والجد البكر حتى تبلغ، ويستأذنها، لئلا يوقعها في أسر الزوج وهي كارهة، قال: وهذا لا يخالف حديث عائشة، لأن استحباب ألا يزوجها قبل البلوغ إذا لم تكن هناك مصلحة ظاهرة، يخاف فوتها بالتأخير، أما في مثل حالة عائشة فيستحب تحصيل ذلك الزوج، لأن الأب مأمور بمصلحة ولده، فلا يفوتها. وأما عن سن الدخول والزفاف فيقول: إن اتفق الزوج والولي على شيء لا ضرر فيه على الصغيرة عمل به، وحده مالك والشافعي وأبو حنيفة بأن تطيق الجماع، ويختلف ذلك باختلافهن، ولا ينضبط بسن وهذا هو الصحيح، وليس في حديث عائشة منع منه قبل التسع لمن تطيقه، ولا إذن فيه لمن لا تطيقه وهي فوق تسع سنين.
2 - أما البكر البالغ فظاهر الروايات الخمس الأولى الاستئذان مع عموم كل بكر، وكل ولي، وأن سكوتها يكفي مطلقاً. قال النووي: وهذا هو الصحيح، وقال بعض أصحابنا وأحمد إن كان الولي أبا أو جدا فاستئذانه مستحب، ويكفي فيه سكوتها، ولو زوجها بغير استئذانها صح، لكمال شفقته، وإن كان غيرهما من الأولياء وجب الاستئذان، ولم يصح إنكاحها قبله، ولا بد من نطقها، لأنها تستحي من الأب والجد أكثر من غيرها، قال: والصحيح الذي عليه الجمهور أن السكوت كاف في جميع الأولياء، لعموم الحديث، ولوجود الحياء مع كل الأولياء.
وقال الأوزاعي وأبو حنيفة وغيرهما من الكوفيين: يجب الاستئذان في كل بكر بالغة، فلو عقد عليها بغير استئذان لم يصح.
قال الحافظ ابن حجر: والأحاديث دالة على أنه لا إجبار للأب عليها إذا امتنعت، وحكاه الترمذي عن أكثر أهل العلم، لكن قال ابن أبي ليلى ومالك والليث والشافعي وأحمد وإسحق: يجوز للأب أن يزوجها بغير استئذان ولو كانت بالغاً، ومن حجتهم مفهوم حديث الباب، لأنه جعل الثيب أحق بنفسها من وليها، فدل على أن ولي البكر أحق بها منها. اهـ
وفي هذا الاحتجاج نظر، فإن نفي الأحقية يصدق بالمساواة في الحقوق، فلا يجبرها، ولا يزوجها بغير إذنها، ولا تجبره، ولا تتزوج بغير إذنه.
والأحاديث جعلت سكوتها دالاً على رضاها، وهذا إذا لم تظهر منها قرينة على عدم الرضا، كأن قامت من المجلس، أو غيرت مجرى الحديث، أو ظهرت منها قرينة السخط، بأن نفرت، أو بكت، أو أظهرت الكراهة ولو بضم الشفتين، وعند بعض الشافعية: لا أثر لشيء من ذلك في المنع إلا إذا قرنت مع البكاء الصياح ونحوه.
وهل يستحب إعلامها أن سكوتها إذن؟ قال ابن المنذر: يستحب ولا يشترط، وهو مذهب الشافعية والجمهور وشرطه بعض المالكية، وقال ابن شعبان من المالكية: يقال لها: إن رضيت