هو في هذه الرواية، بإثبات الياء الثانية، مرفوع، و"لا" نافية، على الخبر، وهو أبلغ في المعنى من النهي، لما يفيده من أن النهي عنه قد اجتنب وأخبر عنه بعدم الحصول. و"لا يخطب" بضم الباء على الرفع عطفاً على المرفوع قبله، وهو أولى من جعل الواو استئنافية، و"لا" ناهية، و"يخطب" مجزوماً.
و"خطبة" بكسر الخاء عرض النكاح، أما الخطبة بضم الخاء فهي ما يلقى من الكلمات في الجمعة وغيرها من المناسبات. والمراد بالأخ ما هو أعم من أخ النسب، بما يشمل الأخ في الإسلام قطعاً، والخلاف في الكافر إذا خطب ذمية، فأراد المسلم أن يخطب على خطبته، خلاف يأتي بين الفقهاء، ومن أدخله أدخله على التوسعة في الأخوة بأن جعلها في الإنسانية، أو بإلحاق الكافر بالمسلم في الحكم للعلة المشتركة بينهما، وهي منع الإيذاء.
(إلا أن يأذن له) أي إلا أن يأذن الخاطب الأول للخاطب الثاني، وفي الرواية السادسة "حتى يذر" أي حتى يترك الخاطب الأول موضوع خطبته، وفي رواية البخاري "حتى ينكح أو يترك" وفي رواية له "حتى ينكح أو يدع" وقد استشكل قوله "حتى ينكح" أي حتى يتزوج الخاطب الأول، على اعتبار أنه لا يكون هناك خطبة على خطبة إذا تزوج المخطوبة الخاطب الأول؟ وأجيب بأن المراد حتى يتزوج الخاطب الأول امرأة أخرى، فيعتبر معرضاً عن المخطوبة المقصودة بخطبة الثاني، ورد باحتمال أن يقصد الزواج من اثنتين، فتبقى خطبته لواحدة مع زواجه بأخرى، والأولى أن يراد حتى يتزوج الخاطب الأول المخطوبة المتنافس عليها، فيحصل له اليأس، فيكون من قبيل {حتى يلج الجمل في سم الخياط} [الأعراف: 40] فكأنه قال: لا يخطب بعضكم على خطبة أخيه أبداً.
(نهى أن يبيع حاضر لباد) "أن يبيع" أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بحرف جر محذوف، أي نهي عن بيع الحاضر للبادي، أي أن يكون سمساراً له، والحاضر من كان من أهل الحضر، أي المدن والقرى، والبادي من كان من أهل البادية، أي المضارب والخيام، وصورة هذا البيع أي يجيء البلد غريب بسلعة يريد بيعها بسعر الوقت في الحال، فيأتيه حضري، فيقول له: ضعها عندي لأبيعها لك على التدريج بأغلى من هذا السعر، والمبيع مما تعم الحاجة إليه، ويلحق بالبادي في ذلك كل من شاركه في عدم معرفة السعر الحاضر، وكل ما يلحق به ضرر بأهل البلد، ضرر ينشأ عن الإشارة بتأجيل البيع، وللمسألة شروط عند الفقهاء تأتي في كتاب البيع إن شاء الله.
(أو يتناجشوا) معطوف على "يبيع" أي نهى عن أن يتناجشوا، والضمير للمسلمين، وليس خاصاً بالحاضر والبادي، وأصل النجش في اللغة تنفير الصيد من مكانه ليصاد، والمراد منه هنا الزيادة في ثمن السلعة ممن لا يريد شراءها، ليوقع غيره فيها، سمي بذلك لأن الناجش يثير الرغبة في السلعة ليوقع المشتري، كما يثير الصائد الصيد ليقع في الشباك.
وفي الرواية الرابعة "لا تناجشوا" بالنهي، وأصله لا تتناجشوا بتاءين، فحذف إحدى التاءين.
والتناجش كما يكون بمواطأة البائع وفي صالحه يكون بمواطأة المشتري وفي صالحه.