النكاح في اللغة: الضم والتداخل. قال الحافظ ابن حجر: وتجوز من قال إنه الضم، وقال الفراء: العرب تقول: نكح المرأة بضم النون وسكون الكاف، ويجوز كسر النون بضعها، وهو كناية عن الفرج، فإذا قالوا: نكحها أرادوا أصاب ناكحها، وهو فرجها، وقلما يقال: ناكحها، كما يقال: باضعها. اهـ
وظاهر هذا أن النكاح حقيقة في الوطء، واستعماله في العقد والزواج مجاز، من إطلاق المسبب وإرادة السبب، لأن العقد سبب شرعي للوطء. وقيل: هو حقيقة فيهما وإن كثر استعماله في الوطء. قال ابن فارس والجوهري وغيرهما من أهل اللغة: النكاح الوطء، وقد يكون العقد، يقال نكحتها، ونكحت هي، أي تزوجت، وأنكحته زوجته، وهي ناكح أي ذات زوج، واستنكحها تزوجها.
وقيل: هو حقيقة فيهما، تحدد القرينة المراد منهما. قال ابن فارس: والعرب فرقت بينهما فرقاً لطيفاً، فإذا قالوا: نكح فلان بنت فلان، أو أخته، أرادوا عقد عليها، وإذا قالوا: نكح امرأته، أو زوجته لم يريدوا إلا الوطء، لأنه بذكر امرأته أو زوجته يستغنى عن ذكر العقد.
وقال بعض أهل اللغة: أصله لزوم شيء لشيء مستعلياً عليه، ويكون في المحسوسات وفي المعاني، قالوا: نكح المطر الأرض، ونكح النعاس عينه، ونكحت القمح في الأرض، ونكحت الحصاة أخفاف الإبل. هذا عن أهل اللغة، أما الفقهاء فالحنفية على أنه حقيقة في الوطء مجاز في العقد. ويؤيدهم قوله تعالى: {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره} [البقرة: 230]. فالمراد منه هنا الوطء، لأن العقد لا يكفي باتفاق، لحديث "حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك".
وعند الشافعية ثلاثة أقوال. أصحها حقيقة في العقد، مجاز في الوطء، والحجة في ذلك كثرة وروده في الكتاب والسنة للعقد، حتى قيل: إنه لم يرد في القرآن إلا للعقد، حتى قوله تعالى: {حتى تنكح زوجاً غيره} المراد به العقد، ومعناه حتى تتزوج، فالعقد شرط أساسي لا بد منه، أما أنه غير كاف بمجرده فأمر خارجي زائد بينته السنة، وأنه لا بد مع العقد من ذوق العسيلة، كما أنه لا بد من التطليق ثم العدة. القول الثاني عند الشافعية كقول الحنفية، حقيقة في الوطء، مجاز في العقد، القول الثالث أنه حقيقة فيهما، مقول بالاشتراك على كل منهما، وهو الذي رجحه الحافظ ابن حجر.
وأما قوله تعالى: {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح} [النساء: 6]. فليس مما نحن فيه، إذ لا يراد به العقد على الحقيقة، ولا يراد به الوطء على الحقيقة، وإنما المراد به الحلم، أي الاحتلام والإنزال.
أما أوضاع النكاح في الجاهلية قبل الإسلام فتصورها عائشة رضي الله عنها، إذ تقول: كانت مناكح أهل الجاهلية على أربعة أقسام:
أحدها: مناكح الرايات، وهو أن المرأة كانت تنصب على بابها راية، لتعرف أنها عاهرة، فيأتيها الناس.