قدره الراوي في الرواية الرابعة وصرحت به الرواية الخامسة ولفظها "أو أطعم ثلاثة آصع من تمر على ستة مساكين" والسادسة، ولفظها "أو إطعام ستة مساكين، نصف صاع طعاماً لكل مسكين" والسابعة، ولفظها "أو يطعم ستة مساكين، لكل مسكينين صاع. وهذا التحديد من السنة للإطعام المطلق الوارد في الآية.
والآصع جمع صاع، وهو من باب المقلوب، لأن فاء الكلمة في آصع صاد وعينها واو، فقلبت الواو همزة، ونقلت إلى موضع الفاء، ثم قلبت الهمزة ألفاً حين اجتمعت هي وهمزة الجمع، فصار آصعاً، ووزنه عندهم أعفل. قال النووي: وأما ما ذكره ابن مكي في كتابه [تثقيف اللسان] أن قولهم في جمع الصاع: آصع، لحن من خطأ العوام، وصوابه: أصوع فغلط منه وذهول وعجب قوله هذا مع اشتهار اللفظة في كتب الحديث واللغة العربية، وأجمعوا على صحتها. اهـ
(قعدت إلى كعب بن عجرة وهو في المسجد) في رواية أحمد "قال عبد الله بن معقل: قعدت إلى كعب بن عجرة في هذا المسجد" زاد في رواية "يعني مسجد الكوفة".
-[فقه الحديث]-
قال النووي: هذه روايات الباب، وكلها متفقة في المعنى، ومقصودها: أن من احتاج إلى حلق الرأس لضرر من قمل أو مرض أو نحوهما فله حلقه في الإحرام، وعليه الفدية، قال تعالى: {فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك} وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الصيام ثلاثة أيام والصدقة بثلاثة آصع لستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع، والنسك شاة تجزئ في الأضحية، ثم إن الآية الكريمة والأحاديث متفقة على أنه مخير بين هذه الأنواع الثلاثة، وهكذا الحكم عند العلماء.
واتفقوا على القول بظاهر هذا الحديث إلا ما حكي عن أبي حنيفة والثوري: أن نصف الصاع لكل مسكين إنما هو في الحنطة، فأما التمر والشعير وغيرهما فيجب صاع لكل مسكين. وهذا خلاف نصه صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث "ثلاثة آصع من تمر" وعن أحمد بن حنبل رواية أنه لكل مسكين مد من حنطة أو نصف صاع من غيره، وعن بعض السلف أنه يجب إطعام عشرة مساكين، أو صوم عشرة أيام، وهذا ضعيف منابذ للسنة مردود.
-[ويؤخذ من الحديث فوق ما تقدم: ]-
1 - أن السنة مبينة لمجمل القرآن، لإطلاق الفدية في القرآن، وتقييدها بالسنة.
2 - وتحريم حلق الرأس على المحرم.
3 - والرخصة له في حلقها إذا أذاه القمل أو غيره من الأوجاع.
4 - وفيه تلطف الكبير بأصحابه، وعنايته بأحوالهم، وتفقده لهم.