ولا تزال التلبية مستحبة للحاج حتى يشرع في رمي جمرة العقبة يوم النحر أو يطوف طواف الإفاضة إن قدمه عليها، أو الحلق عند من يقول: الحلق نسك، وهو الصحيح ويستحب للعمرة حتى يشرع في الطواف، ويستحب التلبية للمحرم مطلقاً، سواء الرجل أو المرأة والمحدث والجنب والحائض، لقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: "اصنعي ما يصنع الحاج غير أن لا تطوفي" وسيأتي مزيد لهذه المسألة بعد الكلام عن السعي كركن من أركان الحج والعمرة.
-[ويؤخذ من الحديث فوق ما تقدم: ]-
1 - استدل بزيادة عمر وابن عمر على استحباب الزيادة على ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في مثل ذلك، قال قوم: لا بأس أن يزيد من الذكر لله ما أحب، وهو قول محمد والنووي والأوزاعي، واحتجوا بحديث أبي هريرة عند النسائي وابن ماجه وصححه ابن حبان والحاكم، قال: "كان من تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم لبيك إله الحق لبيك" ففيه دلالة على أنه قد كان يلبي بغير ذلك، وخالفهم آخرون فقالوا: لا ينبغي أن يتعدى في ذلك شيئاً على ما علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس، ثم فعله هو، ولم يقل: لبوا بما شئتم مما هو من جنس هذا، بل علمهم كما علمهم التكبير في الصلاة، والجمهور على أن الاقتصار على التلبية المرفوعة أفضل وأنه لا بأس بالزيادة، وحكى عن مالك كراهة الزيادة، وهو أحد قولي الشافعي وحكى الترمذي عن الشافعي قال: فإن زاد في التلبية شيئاً من تعظيم الله فلا بأس، وأحب أن يقتصر على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال أبو حنيفة: إن زاد فحسن، وحكى عن بعضهم أن الاختيار أن يفرد ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال الحافظ ابن حجر: وهذا أعدل الوجوه فيفرد ما جاء مرفوعاً، وإذا اختار ما جاء موقوفاً أو أنشأه هو من قبل نفسه مما يليق، قاله على انفراده، حتى لا يختلط بالمرفوع، وهو شبيه بحال الدعاء في التشهد، فإنه قال فيه "ثم ليتخير من المسألة والثناء ما شاء" أي بعد أن يفرغ من المرفوع.
2 - ومن الرواية الثالثة استحباب تلبيد الرأس قبل الإحرام، قال النووي: وقد نص عليه الشافعي وأصحابنا، وهو موافق للحديث الآخر في الذي خر عن بعيره، فإنه يبعث يوم القيامة ملبداً، فيستحب لكونه أرفق بالشعر.
3 - وفي مشروعية التلبية اعتراف بإكرام الله تعالى لعباده، وأن وفودهم على بيته إنما كان باستدعاء منه سبحانه وتعالى.
4 - ومن الرواية الثالثة استحباب صلاة الركعتين عند إرادة الإحرام، قال النووي: ويصليهما قبل الإحرام، ويكونان نافلة، هذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة، إلا ما حكي عن الحسن البصري أنه استحب كونهما بعد صلاة فرض وهذه الصلاة سنة، لو تركها فاتته الفضيلة، ولا إثم عليه ولا دم.
والله أعلم