حقاً بأن في صلاة الليل كله لا بد فيها من الإضرار بنفسه، وتفويت بعض الحقوق، لأنه إن لم ينم بالنهار فهو ضرر ظاهر، وإن نام نوماً ينجبر به سهره فوت بعض الحقوق، بخلاف من يصلي بعض الليل فإنه يستغني بنوم باقيه، وإن نام معه شيئاً في النهار كان يسيراً لا يفوت به حق، وكذا من قام ليلة كاملة واحدة، كليلة العيد لا كراهة فيه لعدم الضرر.
27 - وجواز النهي عن المستحبات إذا خشي أن ذلك يفضي إلى السآمة والملل وتفويت الحقوق المطلوبة، الواجبة أو المندوبة الراجح فعلها على المستحب المذكور.
28 - ومن قوله في الرواية الرابعة والعشرين "فإن لزوجك عليك حقاً" حق المرأة على الزوج في حسن العشرة. قال الحافظ: وقد يؤخذ منه ثبوت حقها في الوطء.
29 - ومن قوله: "ولزورك عليك حقاً" حق الضيف.
30 - ومن مساومته صلى الله عليه وسلم في الصوم وتدرجه مع عبد الله بن عمرو الحض على ملازمة العبادة، لأنه صلى الله عليه وسلم مع كراهته له التشديد على نفسه حضه على الاقتصاد، كأنه قال له: ولا يمنعك اشتغالك بحقوق من ذكر أن تضيع حق العبادة وتترك المندوب جملة، ولكن اجمع بينهما.
31 - ومن ذكر صوم وصلاة داود -عليه السلام- مشروعية التأسي بالأنبياء عليهم السلام.
32 - ومن بيان صلاة داود -عليه السلام- وأنها أحب الصلاة إلى الله فضيلة قيام الليل في الأوقات المذكورة، لأن المصلي يريح جسمه في أول الليل من متاعب النهار، ثم يقوم في الوقت الذي ينادي الله فيه عباده: هل من سائل فأعطيه سؤاله، ثم يستدرك بالنوم ما يستريح به من نصب القيام.
33 - ومن الرواية السادسة والعشرين كراهة ترك قيام الليل لمن كان يقومه، إذا أشعر ذلك بالإعراض عن العبادة.
34 - قال ابن العربي: وفيه دليل على أن قيام الليل ليس بواجب، إذ لو كان واجباً لم يكتف لتاركه بهذا القدر، بل يذمه أبلغ ذم.
35 - قال ابن حبان: وفيه جواز ذكر الشخص بما فيه من عيب إذا قصد بذلك التحذير من صنيعه.
36 - وفيه استحباب الدوام على ما اعتاده المرء من الخير من غير تفريط.
37 - ويستنبط منه كراهة قطع العبادة وإن لم تكن واجبة.
38 - ومن قوله في الرواية الرابعة والعشرين "واقرأ القرآن في كل شهر .. فاقرأه في كل عشرين ... فاقرأه في كل عشر ... فاقرأه في كل سبع. ولا تزد على ذلك" استحباب قراءة القرآن. قال النووي: كانت للسلف عادات مختلفة فيما يقرءون كل يوم، بحسب أحوالهم وأفهامهم ووظائفهم "فكان بعضهم يختم القرآن في كل شهر، وبعضهم في عشرين يوماً، وبعضهم في عشرة أيام، وبعضهم -أو أكثرهم- في سبعة، وكثير منهم في ثلاثة، وكثير في كل يوم وليلة، وبعضهم في كل ليلة، وبعضهم