وأبو حنيفة وصاحباه وأحمد وإسحاق وابن حبيب من المالكية فقالوا باستحباب صومها معينة في الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر. والله أعلم.
وسابعها: صيام شهر الله المحرم، أو الصيام في شهر الله المحرم، وقد نصت على فضله روايتنا الثالثة والأربعون والرابعة والأربعون، وفيهما "أفضل الصيام بعد رمضان صيام شهر الله المحرم".
قال النووي في المجموع: ومن الصوم المستحب صوم الأشهر الحرم، وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب، وأفضلها المحرم. ثم ساق حديث الباهلي قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "صم من الأشهر الحرم واترك. صم من الأشهر الحرم واترك، صم من الأشهر الحرم واترك" رواه أبو داود وغيره.
وثامنها: صيام ست من شوال، وروايتنا الخامسة والأربعون صريحة في استحبابها وفضلها، ولفظها "من صام رمضان، ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر".
قال النووي في المجموع: قال أصحابنا: يستحب صوم ستة أيام من شوال، لهذا الحديث، قالوا: ويستحب صومها متتابعة في أول شوال، فإن فرقها أو أخرها عن أول شوال جاز، وكان فاعلاً لأصل هذه السنة، لعموم الحديث وإطلاقه. وهذا لا خلاف فيه عندنا، وبه قال أحمد وداود. وقال مالك وأبو حنيفة: يكره صومها. قال مالك في الموطأ: وصوم ستة أيام من شوال لم أر أحداً من أهل العلم والفقه يصومها، ولم يبلغه ذلك عن أحد من السلف. وأن أهل العلم كانوا يكرهون ذلك، ويخافون بدعته، وأن يلحق برمضان أهل الجفاء والجهالة ما ليس منه لو رأوا ذلك رخصة عند أهل العلم، ورأوهم يعملون ذلك.
قال النووي: هذا كلام في الموطأ. ودليلنا الحديث الصحيح السابق، ولا معارض له، وأما قول مالك: لم أر أحداً يصومها فليس بحجة في الكراهة، لأن السنة ثبتت في ذلك بلا معارض، فكونه لم ير لا يضر، وقولهم: لأنه قد يخفى ذلك فيعتقد وجوبه ضعيف، لأنه لا يخفى ذلك على أحد، ويلزم قوله أنه يكره صوم يوم عرفة وعاشوراء وسائر الصوم المندوب إليه، وهذا لا يقوله أحد. اهـ
النقطة الخامسة: ما يؤخذ من الأحاديث من الأحكام والحكم والفوائد غير ما سبق:
1 - يؤخذ من الرواية الحادية عشرة والثانية عشرة ما كانت عليه بيوت النبي صلى الله عليه وسلم من ضيق العيش حتى كان صلى الله عليه وسلم لا يجد فيها ما يأكله الجائع.
2 - وما كان عليه الصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين- من وصل بيوت النبي صلى الله عليه وسلم بإهدائهم الطعام.
3 - قبول الرسول صلى الله عليه وسلم للهدية وأكله منها دون السؤال عن مرسلها.
4 - ومن قول عائشة "وقد خبأت لك شيئاً" إتحاف الزوجة زوجها بأطيب ما تصل إليه يدها.
5 - ومن الرواية الثالثة عشرة عن الصائم إذا أكل أو شرب أو جامع ناسياً لا يفطر، قال النووي: وهو مذهب الأكثرين، وممن قال به الشافعي وأبو حنيفة وداود وآخرون، وقال مالك: يفسد صومه، وعليه القضاء دون الكفارة، وقال عطاء والأوزاعي والليث: يجب القضاء في الجماع دون الأكل، وقال أحمد: يجب في الجماع القضاء والكفارة، ولا شيء في الأكل. اهـ