قال الحافظ ابن حجر: واتفقوا على أن المراد بالصيام هنا صيام من سلم صيامه من المعاصي قولاً وفعلاً. اهـ
[وفي هذا نظر، والأولى أن يقال: صيام من قبل الله صيامه، فقد يعفو الله عن بعض المعاصي التي تلابس الصوم] ونقل ابن العربي عن بعض الزهاد أنه مخصوص بصيام خواص الخواص، فقال: إن الصوم على أربعة أنواع، صيام العوام، وهو الصوم عن الأكل والشرب والجماع، وصيام خواص العوام، وهو هذا مع اجتناب المحرمات من قول أو فعل، وصيام الخواص وهو الصوم عن غير ذكر الله وعبادته وصيام خواص الخواص، وهو الصوم عن غير الله، فلا فطر لهم إلى يوم القيامة. اهـ قال الحافظ ابن حجر وهذا مقام عال، لكن في حصر المراد من الحديث في هذا النوع نظر لا يخفى. اهـ
وأقول: إن هذا تضييق وتحجير لفضل الله ورحمته، لا يتفق وسياق الأحاديث، فقد ذكرت لعوام المسلمين، وأطلق فيها الصوم والصائم، نعم حماية الصوم من اللغو والجهل والرفث مطلوبة بنص الأحاديث الصحيحة، فيمكن حمل هذا الجزاء على صوم خواص العوام. والله أعلم.
ومن الثناء على خلوف فم الصائم [في روايتنا الثالثة والخامسة والسادسة والسابعة] أخذ الشافعية كراهة السواك للصائم بعد الزوال. قال النووي: لأنه يزيل الخلوف الذي هذه صفته وفضيلته، وإن كان السواك فيه فضل أيضاً، لكن فضيلة الخلوف أعظم، كما أن دم الشهداء مشهود له بالطيب، ويترك له غسل الشهيد مع أن غسل الميت واجب، فإذا ترك الواجب للمحافظة على بقاء الدم المشهود له بالطيب فترك السواك الذي هو ليس واجباً للمحافظة على بقاء الخلوف المشهود له بذلك أولى. اهـ
ولا يخفى أن دم الشهيد لن يتأذى به أحد، بخلاف خلوف فم الصائم، فالقياس قياس مع الفارق. وكره المالكية السواك الرطب للصائم، باعتبار ما يخشى منه أن يتحلل من رطوبته شيء في الفم، ورد عليهم بالمضمضة، إذا قذف ماءها فإنه لا يضره بعد ذلك أن يبتلع ريقه.
والجمهور على عدم كراهة السواك للصائم، لعموم الأحاديث التي تحث على السواك، والتي لم تفرق بين صائم ومفطر، ومنها ما جاء في البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء" وعن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم "السواك مطهرة للفم مرضاة للرب".
النقطة الرابعة: التطوع بالصوم، ونوزعه على عناصر:
(أ) صوم النبي صلى الله عليه وسلم.
(ب) صوم عبد الله بن عمرو بن العاص وإرشاد النبي صلى الله عليه وسلم.
(جـ) صوم المجاهد والمرابط في سبيل الله.
(د) صوم أيام معينة من أيام السنة.
(أ) أما صوم النبي صلى الله عليه وسلم تطوعاً فحاصل الروايات التي ساقها الإمام مسلم أنه صلى الله عليه وسلم كان يكثر من