قال النووي: هذه اللفظة رووها على وجهين، أشهرهما رواية الأكثرين "إربه" بكسر الهمزة وإسكان الراء، والثاني بفتح الهمزة والراء، ومعناه بالكسر الوطر والحاجة، وكذا بالفتح، ولكن المفتوح يطلق أيضاً على العضو، وقال الخطابي: الفتح والكسر معناهما واحد، وهو حاجة النفس ووطرها. قال والإرب أيضاً العضو. اهـ والمعنى أنه صلى الله عليه وسلم كان أقدر الناس أو من أقدر الناس على أن يغلب الشهوة، لا أن تغلبه الشهوة، فيوقفها حتى لا تتجاوز إلى إفساد الصوم.
(ويباشر وهو صائم) قال النووي: معنى المباشرة هنا اللمس باليد، وهو من التقاء البشرتين. اهـ فهي أعمق من التقبيل. أما المراد بالمباشرة في قوله تعالى: {فالآن باشروهن} الجماع، لا ما دونه من قبلة ونحوها، والرسول صلى الله عليه وسلم هو المبين عن الله تعالى.
(يسألانها) هكذا هو في كثير من الأصول "يسألانها" وهذا واضح جار على المشهور في العربية، لكن في بعض الأصول "ليسألانها" بلام التعليل مع ثبوت نون الأفعال الخمسة. قال النووي: وهي لغة قليلة.
(في شهر الصوم) أي وهو صائم صيام الفرض.
(فقال: يا رسول الله قد غفر الله لك ... ) سبب قوله هذا القول أنه ظن أن جواز التقبيل للصائم من خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه لا حرج عليه فيما يفعل، لأنه مغفور له، وفي الموطأ "يحل الله لرسوله ما شاء".
(أنا أتقاكم لله وأخشاكم له) فكيف تظنون بي أو تجوزون علي ارتكاب منهي عنه؟ وفي بعض الروايات أن الرسول صلى الله عليه وسلم غضب حين قال القائل هذا القول.
-[فقه الحديث]-
اختلف العلماء في حكم القبلة والمباشرة تقع من الصائم لزوجته، والمقصود من المباشرة هنا -كما قدمنا- التقاء البشرتين بأي وفي أي موضع من الجسد من غير الجماع، فالحكم على القبلة حكم المباشرة.
فقال الشافعي وأصحابه: القبلة في الصوم ليست محرمة على من لم تحرك شهوته، لكن الأولى له تركها. ولا يقال إنها مكروهة له. وإنما قالوا: إنها خلاف الأولى في حقه، مع ثبوت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعلها، لأنه صلى الله عليه وسلم كان يؤمن في حقه مجاوزة حد القبلة، ويخاف على غيره مجاوزتها، كما قالت عائشة "وأيكم يملك إربه" "وكان أملككم لإربه" أما من حركت شهوته فهي حرام في حقه على الأصح عند الشافعية وفي غير الأصح عندهم مكروهة كراهة تنزيه، ذكره النووي.
وحاصل هذا القول أن القبلة والمباشرة بين الزوجين في الصيام خلاف الأولى لمن علم من تجاربه وسوابقه أنها لا تحرك شهوته، ولا يقال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يفعل خلاف الأولى على هذا؟