لقد واصل رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول شهر رمضان، وعلم بذلك أصحابه فتأسوا به وواصلوا. فلما علم بوصالهم نهاهم عن هذا التكلف، وقال: لا تواصلوا إياكم والوصال، فكف البعض عن الوصال، وواصل بعض آخر لم يسمعوا النهي، أو ظنوه رحمة وإشفاقاً مع جوازه وفضله، وكرر صلى الله عليه وسلم النهي، وكرر الصحابة مراجعته يقولون: إنك تواصل وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فدعنا نسارع إلى الخيرات ونواصل كما تواصل. قال لهم: وأيكم مثلي؟ إني أبيت يطعمني ربي ويسقين فقالوا: إنا بنا قوة على الوصال فأذن لنا بالوصال معك.
فلما أبوا أن يكفوا عن الوصال، وتمسكوا به رغبة في المزيد من الأجر، واصل بهم يوم الثامن والعشرين والتاسع والعشرين من رمضان، فرأوا هلال شوال، فكان الحكم الإفطار الواجب يوم العيد. فقال لهم صلى الله عليه وسلم ولو مد الشهر ولم نر هلال شوال لزدتكم وصالاً، حتى تقتنعوا بالممارسة أنكم لا تقدرون عليه، وأنه سيشق عليكم، فلا تغلوا في الدين، وتكلفوا من العمل أيسره وما تطيقونه، وأحب العمل إلى الله أدومه وإن قل.
وصدق قول الله في رسوله صلى الله عليه وسلم {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم} [التوبة: 128].
-[المباحث العربية]-
(نهى عن الوصال) عبارة النهي وردت في الرواية الرابعة بلفظ "إياكم والوصال" وفي الرواية الخامسة بلفظ "ما بال رجال يواصلون"؟ وفي رواية للبخاري "إياكم والوصال" مرتين، وعند أحمد "إياكم والوصال" ثلاث مرات، وفي رواية للبخاري بلفظ "لا تواصلوا" والظاهر من مراجعتهم له صلى الله عليه وسلم أن النهي تعدد بألفاظ مختلفة.
والوصال المراد هنا ترك الأكل والشرب وبقية المفطرات في الليل بين الصومين عمداً بلا عذر، وشذ من خصه بعدم الأكل، وعرفه الحافظ ابن حجر بأنه الترك في ليالي الصيام لما يفطر بالنهار بالقصد.
(قالوا: إنك تواصل) أي ونحن نرغب في الاقتداء والتأسي بك؟ وفي الرواية الثالثة "فقال رجل من المسلمين" والظاهر أن القائل واحد، ونسب القول للمجموع لرضاهم به، قال الحافظ ابن حجر: ولم أقف على اسمه.
(إني لست كهيئتكم) في الرواية الثانية "إني لست مثلكم" وفي الثالثة "وأيكم مثلي"؟ وفي الرابعة "إنكم لستم في ذلك مثلي" وكلها متقاربة، تنفي المماثلة بينه وبينهم في هذا الأمر، وبين عدم المماثلة بقوله "إني أطعم وأسقى".
(إني أطعم وأسقى) ببناء الفعلين للمجهول، وفي الرواية الثالثة والرابعة "إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني" وفي السادسة "إني أظل يطعمني ربي ويسقيني" وفي السابعة "إني