وقد التبس على البعض مراد الله بالخيط الأبيض والخيط الأسود فبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم وغيره، كما أسلفنا.

وفي هذه الأحاديث يبين صلى الله عليه وسلم مراد الله من "الليل" الذي جعل غاية ونهاية لنهار الصائم، {ثم أتموا الصيام إلى الليل} فقد يخفى على البعض أن بدايته غروب الشمس، ويتوهم كما توهم بلال في هذه الأحاديث أن المراد به الظلمة، فأراد صلى الله عليه وسلم أن يحدد لهم مراد الشرع بالقول والفعل والإشارة حين كان صائماً في سفر ومعه عدد كبير من صحابته لم يجتمع معه في سفر مثلهم من قبل، كانوا نحو عشرة آلاف، يتوجهون لفتح مكة: فلما غربت الشمس قال لبلال: هات لنا الشراب. قال بلال: ما زال النهار قائماً، والضوء منتشراً. قال له: هات شرابنا. قال بلال: لو انتظرت بعض الوقت يا رسول الله حتى يدخل المساء؟ قال له: هات شرابنا. قال بلال: أرجو الانتظار حتى تدخل قليلاً في المساء؟ قال له: هات شرابنا. فقام بلال فأحضر الشراب وناوله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشرب أمام أصحابه، ثم قال لهم: إذا أقبل الليل من ههنا -وأشار إلى جهة المشرق، وأدبر النهار من ههنا -وأشار إلى جهة المغرب، وغربت الشمس، واختفى قرصها كله حل الفطر للصائم، وتعجيل الفطر شريعتنا، ولا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر.

-[المباحث العربية]-

(إذا أقبل الليل، وأدبر النهار، وغابت الشمس) قال النووي: قال العلماء: كل واحد من هذه الثلاثة يتضمن الآخرين: ويلازمهما، وإنما جمع بينها لأنه قد يكون في واد ونحوه، بحيث لا يشاهد غروب الشمس، فيعتمد إقبال الظلام وإدبار الضياء.

وقال الحافظ ابن حجر: هذه الأمور الثلاثة وإن كانت متلازمة في الأصل لكنها قد تكون في الظاهر غير متلازمة، فقد يظن إقبال الليل من جهة المشرق ولا يكون إقباله حقيقة، بل لوجود أمر يغطي ضوء الشمس، وكذلك إدبار النهار، فمن ثم قيد بقوله "وغربت الشمس" إشارة إلى اشتراط تحقق الإقبال والإدبار، وأنهما بواسطة غروب الشمس لا بسبب آخر.

وفي شرح الترمذي: الظاهر الاكتفاء بأحد الثلاثة، لأنه يعرف انقضاء النهار بأحدها.

والخلاصة أن ذكر الثلاثة للتأكد من دخول الليل، فإن حصل التأكد بأحدها كفى.

(فقد أفطر الصائم) قال النووي: معناه انقضى صومه وتم، ولا يوصف الآن بأنه صائم، فإنه بغروب الشمس خرج النهار، ودخل الليل، والليل ليس محلاً للصوم. اهـ واعترض العلماء على هذا التفسير، وقالوا: إن معنى "فقد أفطر الصائم، أي دخل في وقت الفطر، كما يقال: أنجد إذا أقام بنجد، وأتهم إذا أقام بتهامة، وقال ابن خزيمة: "فقد أفطر الصائم" لفظ خبر ومعناه الأمر، فليفطر الصائم، ورد كلام النووي، فقال: لو كان المراد فقد صار مفطراً كان فطر جميع الصوام واحداً، ولم يكن للترغيب في تعجيل الإفطار معنى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015