-[المعنى العام]-
ربط الإسلام بين العبد وربه بالعبادات الواجبة في أوقات مختلفة من أزمنة عمره، فأوجب عبادة واحدة في العمر كله، وهي الحج، وجعل لها أشهراً معلومات، وأوجب عبادة شهر من كل عام، وهي صوم رمضان، وأوجب صلاة خاصة مرة في كل أسبوع، وهي صلاة الجمعة، وأوجب خمس صلوات كل يوم وليلة.
وحين ترتبط العبادة بالزمن يحدد المشرع بدايتها ونهايتها. ومما هو معلوم أن الزمن في دنيانا يرتبط بحركة الشمس والقمر والنجوم في أفلاكها فقد خلقها الله خلقاً محكماً في نظام دقيق، لا يختل، ولا يتذبذب تحركه صعوداً أو هبوطاً، لا بمرور الدهور، ولا بزيادة الدافع أو نقصه.
إن قوة الدفع التي يصنعها المخلوق تتأثر بعوامل كثيرة ليست من صنعه، أما صنعة الله جل جلاله فلا تتأثر إلا بما شاء. {هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نوراً وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون} [يونس: 5]. {وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلاً من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه تفصيلاً} [الإسراء: 12].
وحين يعلم العبد البداية والنهاية يستخدم ما يشعره بهذه البداية من الوسائل، فاستخدمت الساعات، ومن قبلها المزاول لتحديد أوقات الصلوات، واستخدمت وسائل العلم المختلفة المتطورة التحديد الزمني الدقيق، واستخدمت الآلات الحديثة للحساب بحيث تحسب في لحظة ما كان حسبه الإنسان في أيام أو سنوات.
وشهر رمضان شرع الله صومه، وتحديد بدايته ونهايته يتطلب وسيلة من الوسائل التي يتمكن منها المسلم. و {لا تكلف نفس إلا وسعها} [البقرة: 233] فحين كانت أمة الإسلام لا تقرأ ولا تكتب ولا تحسب. ولا تدرس منازل القمر وعلم الفلك ربطت هذه العبادة برؤية هلال الشهر، فصدر التشريع الإلهي على لسان محمد صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين يوماً". "الشهر -العربي- هكذا - مشيراً بأصابع كفيه- وهكذا- مشيراً بها مرة أخرى. تلك عشرون -وهكذا، وفي الثالثة أخفى إبهامه لتصير تسعاً". هذه إشارة لشهر، وإشارة أخرى لشهر آخر، يصفق بأصابع يديه العشر ثلاث مرات، فالشهر تسع وعشرون ليلة أحياناً، وثلاثون ليلة أحياناً.
وعلى هذا التوجيه الكريم صام المسلمون بحكم قاضيهم بدخول الشهر إذا شهد عنده من يكتفي بشهادته أنه رأى الهلال، وبحكم بانتهاء الشهر إذا شهد عنده بأن قدر رؤي هلال الشهر الآخر.
وبعد أن صارت أمة الإسلام أمة قارئة كاتبة حاسبة، من أبنائها متخصصون في علم الفلك وحركات الكواكب وعلوم الفضاء تحركت الأسئلة الجادة عن مقصود الشرع بالرؤية، وهل هي وسيلة لعبادة؟ أو مقصودة بالعبادة؟ .