وتحقيقها في النفوس تحقيق المحسوسات، أي لا يتشكك في القبول كما لا يتشكك من عاين التلقي للشيء بيمينه، لا أن التناول كالتناول المعهود، ولا أن المتناول به جارحة. اهـ وقيل: المراد سرعة القبول. وقيل: حسنه. وقيل: المراد بكف الرحمن هنا ويمينه كف الذي تدفع له الصدقة، وإضافتها إلى الله تعالى إضافة ملك واختصاص، لوضع هذه الصدقة في كف الآخذ لله تعالى. اهـ.

وهذه الأقوال كلها تؤول اليمين والكف وتحترز عن إرادة العضو المعروف، لاستحالة ذلك على الله تعالى، لأنها تستلزم الجسمية والمكانية والتحيز المستلزم بسبق المكان والحيز على المتمكن والمتحيز فيتنافى ذلك مع القدم المطلق لله تعالى. وهذا ما يعرف بمذهب الخلف عند علماء الكلام.

أما مذهب السلف -وهو أسلم- فهو الإيمان بما جاء في الكتاب والسنة الصحيحة من أمثال ذلك من غير تأويل، ومن غير تشبيه، وإجراء القرآن والحديث على ظاهره، وإثبات ذلك لله تعالى على وجه الكمال، مع تنزيهه تعالى عن مشابهة المخلوقات. يمثل هذا المذهب قول الترمذي في "جامعه": قال أهل العلم من أهل السنة والجماعة: نؤمن بهذه الأحاديث، ولا نتوهم فيها تشبيهاً، ولا نقول: كيف؟ هكذا روي عن مالك وابن عيينة وابن المبارك وغيرهم. اهـ والله أعلم.

(وإن كانت تمرة) جواب الشرط محذوف للعلم به مما قبله، والتقدير: وإن كانت تمرة في قلتها وضعف قيمتها أخذها الرحمن بيمينه.

(فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل) الضمير للتمرة، وفي رواية البخاري "حتى تكون مثل الجبل" وفي رواية: "حتى يوافى بها يوم القيامة وهي أعظم من أحد". قال الحافظ ابن حجر: والظاهر أن المراد بعظمها أن عينها تعظم لتثقل في الميزان، ويحتمل أن يكون ذلك تعبيراً عن ثوابها. اهـ.

وقال الداودي: أي حتى تصير في الأجر كمن تصدق بمثل الجبل. وقال بعضهم: أي لا يزال نظر الله إلى الصدقة ينميها، حتى تنتهي بالتضعيف إلى قدر تقع المناسبة بينه وبين ما قدم نسبة ما بين التمرة والجبل.

(كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله) في الرواية الثلاثين "كما يربي أحدكم فلوه أو قلوصه" والفلو بفتح الفاء وضم اللام وتشديد الواو، وبكسر الفاء وسكون اللام وتخفيف الواو؛ والأولى أفصح، وهو المهر، يقال: فلا مهره إذا فصله من أمه، ويقال: فلوت المهر نحيته، والفصيل ولد الناقة إذا فصل من إرضاغ أمه، فعيل بمعنى مفعول، مثل جريح بمعنى مجروح. والقلوص بفتح القاف وضم اللام الناقة الفتية. ووجه الشبه النماء البين وسرعة الزيادة، وليس الحجم.

(لا يتصدق أحد بتمرة من كسب طيب) معنى الكسب المكسوب والمراد به ما هو أعم من تعاطي التكسب وبذل الجهد في تحصيله أو حصول المكسوب بغير تعاط كالميراث.

(إن الله طيب) قال القاضي: الطيب في صفة الله تعالى بمعنى المنزه عن النقائص، وهو بمعنى القدوس، وأصل الطيب الزكاة والطهارة والسلامة من الخبث.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015