الحنطة حينئذ بالنسبة إلى الأصناف الأخرى، وقد روي أن ابن عباس لما كان أمير البصرة أمرهم إخراج زكاة الفطر وبين لهم أنها صاع من تمر .. إلى أن قال: أو نصف صاع من بر، فلما جاء علي، ورأى رخص الأسعار قال: اجعلوها صاعاً من كل.
قال الحافظ ابن حجر: ويلزم على اعتبار القيمة آنذاك أن تعتبر القيمة في كل زمان فيختلف الحال ولا ينضبط، وربما لزم في بعض الأحيان إخراج آصع من حنطة، أما أبو سعيد فقد نظر إلى الكيل. اهـ.
ففي روايتنا السابعة: "قال أبو سعيد: فأما أنا فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه أبداً ما عشت". ولأبي داود: "لا أخرج أبداً إلا صاعاً". وعند الدارقطني وابن خزيمة والحاكم: "فقال له رجل: مدين من قمح. فقال: لا تلك قيمة معاوية، لا أقبلها ولا أعمل بها".
قال النووي عن روايتنا السابعة: هذا الحديث هو الذي يعتمده أبو حنيفة وموافقوه في جواز نصف صاع حنطة، والجمهور يجيبون عنه بأنه قول صحابي؛ وقد خالفه أبو سعيد وغيره ممن هو أطول صحبة وأعلم بأحوال النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا اختلفت الصحابة لم يكن قول بعضهم بأولى من بعض فنرجع إلى دليل آخر، فنجد ظاهر الأحاديث والقياس متفقاً على اشتراط الصاع من الحنطة كغيرها، فوجب اعتماده، وقد صرح معاوية بأنه رأى رآه، لا أنه سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، ولو كان عند أحد من حاضري مجلسه مع كثرتهم في تلك اللحظة علم في موافقة معاوية عن النبي صلى الله عليه وسلم لذكره كما جرى لهم في غير هذه القصة.
وأما الأقط فهو ثابت في أحاديث الباب في الروايتين السابعة والثامنة، وهو لا يجزئ عند أحمد، وحمل الحديث على أن من كان يخرجه كان قوته إذ ذاك، أولم يقدر على غيره. قال الحافظ ابن حجر: وظاهر الحديث يخالفه.
وفي جواز إخراج الأقط خلاف عند الشافعية، فالماوردي يزعم أنه يختص بأهل البادية وأما الحاضرة فلا يجزئ عنهم، وتعقبه النووي في شرح المهذب وقال: ينبغي أن يقطع بجوازه لصحة الحديث فيه من غير معارض.
وظاهر مذهب أحمد: أنه لا يجوز العدول عن هذه الأصناف الخمسة المنصوص عليها مع قدرته عليها. ويجوز عند أبي حنيفة وأحمد إخراج الدقيق والسويق.
أما الشافعية والمالكية فلا يلتزمون هذه الأصناف، بل يرون جواز إخراج الفطرة من كل ما هو قوت للناس، ويرى الشافعية أن كل ما يجب فيه العشر من الحبوب والثمار هو ما يقتات به في حال الاختيار، وهو صالح لإخراج الفطرة، وعلى المسلم أن يخرج الفطرة من غالب قوت البلد.
أما القيمة فهي غير جائزة عند مالك والشافعي وأحمد، لأنها خلاف ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقيمة في معاملات الناس لا تجوز إلا بتراض بين الطرفين. وقال أبو حنيفة وأصحابه: يجوز إخراج القيمة.