أما أبو حنيفة فقد استند إلى حديث عمرو بن حزم، وقد رواه أبو داود في المراسيل وضعفه كثير من العلماء، وقال بنسخه بعض المحققين على أساس أن استعمال عمرو بن حزم على نجران كان قبل موته صلى الله عليه وسلم بمدة، وأما كتاب الصديق أبي بكر فإن النبي صلى الله عليه وسلم كتبه ولم يخرجه إلى العمال حتى أخرجه أبو بكر. والله أعلم.
ومن دراسة جدول الإبل نجد الشريعة الإسلامية قد راعت في نظامها الاقتصادي تشجيع إنتاج الثروة الحيوانية، فلم تجعل الزكاة كالضريبة التصاعدية التي تتبناها النظم الاقتصادية المعاصرة، ولم تثبتها كلها على مقدار واحد كما هو الحال في زكاة النقدين -الذهب والفضة. وإنما شجعت المستثمرين في تربية الإبل فأفسحت كثيراً فترة السماح بين النصابين، فبينما نرى الأوقاص التي لا زكاة فيها أربعة من الإبل بين الخمسة والعشرة وبين العشرة والخمسة عشر، نرى الأوقاص التي لا زكاة فيها قد أصبحت عشرة بين الخمسة والعشرين والستة والثلاثين، ثم أصبحت أربعة عشر بين الستة والأربعين وبين الواحد والستين، ثم أصبحت تسعة وعشرين بين الواحد والتسعين والمائة والواحد والعشرين، فامتدت فترة السماح من أربعة إلى عشرة ثم إلى أربعة عشر، ثم إلى تسعة وعشرين، وسنرى قريباً من ذلك في زكاة البقر، وأكثر من ذلك بكثير في زكاة الغنم، مما يشجع على زيادة الإنتاج ويئول إلى كون الضريبة تنازلية في واقع الأمر، وقد لاحظ رجال الاقتصاد المعاصر هذه الظاهرة الكريمة، فكتبوا عنها جزاهم الله خيراً.
ونصاب البقر أوله ثلاثون، بإجماع المذاهب الأربعة، وفيها تبيع، وهو الذي له سنة، قيل: سمي تبيعا لأنه يتبع أمه، وقيل: لأن قرنيه يتبعان أذنيه، والأنثى تبيعة، ويقال لها: جذءة. ثم لا شيء فيما زاد على الثلاثين حتى تبلغ أربعين وفيها مسنة، وهي التي لها سنتان، وسميت مسنة لزيادة سنها، ويقال لها: ثنية، ثم لا شيء فيما زاد على الأربعين حتى تبلغ الستين، وفيها تبيعان، ثم يستقر الحساب بعشرة عشرة، ففي سبعين: تبيع عن ثلاثين ومسنة عن أربعين، وفي ثمانين: مسنتان، وفي تسعين: ثلاثة أتبعة، وفي مائة: تبيعان عن ستين ومسنة عن أربعين، وفي مائة وعشرة: مسنتان عن ثمانين وتبيع عن ثلاثين، وفي مائة وعشرين: ثلاثة مسنات أو أربعة أتبعة، وفي مائة وثلاثين: ثلاثة أتبعة عن تسعين ومسنة عن أربعين، وفي مائة وأربعين: مسنتان عن ثمانين وتبيعان عن ستين، وفي مائة وخمسين: خمسة أتبعة. وهكذا أبداً.
وخالف أبو حنيفة في الرواية المشهورة عنه، فقال: ما زاد على الأربعين فبحسابه؛ في كل بقرة ربع عشر مسنة، فليست عنده أوقاص، ويعمل القيمة في الزكاة بدلاً من أصل المزكى.
وزكاة البقر واجبة بالإجماع المستند إلى السنة، فقد روى البخاري عن أبي ذر رضي الله عنه قال: "أنهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: والذي نفسي بيده -أو- والذي لا إله غيره -كما حلف- ما من رجل تكون له إبل أو بقر أو غنم لا يؤدي حقها إلا أتي بها يوم القيامة أعظم ما تكون وأسمنه تطؤه بأخفافها، وتنطحه بقرونها، كلما جازت أخراها ردت عليه أولاها حتى يقضى بين الناس".