سير الإبل مشهور، وبأن الأنصار استقبلوا هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم بإنشاد [طلع البدر علينا .... ]. ويستدل من حديث عائشة على الرخصة في الغناء المشبه بمزمارة الشيطان، ويدعى أن الرسول صلى الله عليه وسلم بمنعه أبا بكر من الإنكار أباح الغناء.
وهكذا يبدو الغزالي في بحثه وكأنه يبيح الغناء على الإطلاق، وهكذا حاول المتحللون -أو المحللون أو المنحلون- أن يلتقطوا بعض نصوصه كبرهان على حل ما يفعلون، وأخذ شياطينهم {يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون} [الأنعام: 112، 113].
والمحقق يرى أن الإمام الغزالي في ناحية وهؤلاء المحللين في ناحية أخرى، فمقصد الغزالي نوع خاص من المستمعين ونوع خاص من الغناء، فهو يقول: فإن قلت: هل للغناء حالة يحرم فيها؟ فأقول: إنه يحرم بخمسة عوارض: عارض في السمع، وعارض في الآلة، وعارض في نظم الصوت، وعارض في نفس المستمع أو في مواظبته، وعارض في كون الشخص من عوام الخلق، لأن أركان السماع هي المسمع والمستمع وآلة الإسماع.
العارض الأول: أن يكون المسمع امرأة لا يحل النظر إليها وتخشى الفتنة من سماعها، وفي معناها الصبي الأمرد الذي تخشى فتنته، وهذا حرام لما فيه من خوف الفتنة، بل لو كانت المرأة بحيث يفتتن بصوتها في المحاورة من غير ألحان فلا يجوز محاورتها ومجادلتها ولا سماع صوتها في القرآن أيضاً.
العارض الثاني: في الآلة بأن تكون المزامير والأوتار وطبل الكوبة فهذه ثلاثة أنواع ممنوعة.
العارض الثالث: في نظم الصوت وهو الشعر، فإن كان فيه شيء من الخنا والفحش والهجو فسماع ذلك حرام، وكذلك ما كان فيه وصف امرأة بعينها فإنه لا يجوز وصف المرأة بين الرجال.
العارض الرابع: في المستمع، وهو أن تكون الشهوة غالبة عليه، وكان في غرة الشباب فالسماع عليه حرام سواء غلب على قلبه حب شخص معين أو لم يغلب، فإنه كيفما كان فلا يسمع وصف الصدغ والخد والفراق والوصال إلا ويحرك ذلك شهوته، وينزله على صورة معينة ينفخ الشيطان بها في قلبه فتشتعل فيه نار الشهوة، وغالب القلوب الآن قد فتحها جند الشيطان وغلب عليها، فلا يجوز تحريك شوقها إلى ما لا يحل، وأكثر العشاق والسفهاء من الشباب في وقت هيجان الشهوة لا ينفكون عن إضمار شيء من ذلك، وذلك ممنوع في حقهم لما فيه من الداء الدفين.
العارض الخامس: أن يكون الشخص من عوام الخلق، وهذا إذا اتخذ السماع عادة وقصر عليه أكثر أوقاته، فهذا هو السفيه الذي ترد شهادته، فإن المواظبة على اللهو جناية. اهـ.
فمن هذه اللقطات يتضح أن الإمام الغزالي مع الجمهور تماماً في غناء اليوم فهو يرى:
أولاً: أن غناء امرأة أمام الرجل غير المحرم حرام، وكذا غناء الصبي الأمرد الذي لا لحية له، وهذا عامة غناء اليوم.