ورد هذا الاحتجاج بالقياس على الإمامة في سائر الصلوات، إذ لا يشترط فيها إذن السلطان، وبأن الفعل هنا خرج مخرج البيان، وكون الناس في الأعصار يقيمون الجمعة بإذن السلطان لا يلزم منه بطلانها إذا أقيمت من غير إذنه، وأما قولهم: إن إقامتها بغير إذنه يؤدي إلى فتنة فغير مسلم.
2 - ذهب الشافعية إلى أن الجمعة لا تصح إلا في أبنية يستوطنها صيفاً أو شتاءً من تنعقد بهم الجمعة، سواء أكان البناء من أحجار أو أخشاب أو سعف، وسواء أكانت البلاد كباراً ذات أسواق أو صغاراً. أما أهل الخيام الذين يتنقلون دون استقرار فلا تجب عليهم الجمعة، ولا تصح منهم مستقلين، وبهذا قال مالك وأحمد.
ولا يشترط إقامتها في مسجد، ولكن تجوز في ساحة مكشوفة بشرط أن تكون داخلة في القرية أو البلدة، فلا تصح في صحراء. وقال أبو حنيفة: لا تصح الجمعة إلا من أهل مصر، وتصح منهم ولو في صحراء كالعيد.
3 - جمهور الشافعية على أن تعدد المساجد التي تصلى فيها الجمعة في المدينة الواحدة جائز إذا كثر الناس أو شق اجتماعهم في موضع منها، ولا يجوز جمعتان في بلد لا يعسر الاجتماع فيه في مكان، وحكي هذا عن مالك وأبي حنيفة. وقال محمد بن الحسن: يجوز جمعتان. وقال أحمد: إذا عظم البلد كبغداد والبصرة جاز جمعتان فأكثر إن احتاجوا، وإلا فلا يجوز أكثر من جمعة واحدة. 4 - ولا تجب الجمعة على صبي ولا مجنون ولا امرأة، وقد نقل ابن المنذر وغيره الإجماع على أنها لو حضرت وصلت الجمعة جاز. ولا تجب على المسافر وتصح منه، ولا تجب على خائف على نفسه أو ماله، ومن لا جمعة عليه مخير بين الظهر والجمعة.
5 - وقد أجمع العلماء على أن الجمعة لا تصح من منفرد، وأن الجماعة شرط في صحتها، وشرط الشافعية أن يكون العدد أربعين ممن تنعقد بهم الجمعة، وبه قال أحمد في رواية، وفي رواية أخرى: شرط خمسين. وقال أبو حنيفة: تنعقد بأربعة أحدهم الإمام. وقال أبو يوسف: تنعقد بثلاثة أحدهم الإمام. وقال داود: تنعقد باثنين أحدهما الإمام.
6 - ذهب الشافعية والمالكية والحنابلة إلى أن المسبوق في صلاة الجمعة إن أدرك الإمام في الركوع من الثانية فقد أدرك الجمعة، فإذا سلم الإمام أضاف ركعة أخرى، وإذا لم يدرك الركوع فقد فاتته الجمعة، فإذا سلم الإمام أتم ظهراً. قال أبو حنيفة: من أدرك التشهد مع الإمام أدرك الجمعة، فيصلي بعد سلام الإمام ركعتين وتمت جمعته، بل حكى عن أبي حنيفة: أنه إن أحرم قبل سلام الإمام كان مدركاً للجمعة، بل حكى عن أبي حنيفة: أنه لو سلم الإمام ثم سجد للسهو فأدركه مأموم في سجود السهو أدرك الجمعة.
والله أعلم.