-[المعنى العام]-
إن هذا اليوم الذي فضله الله، وهدى أمة الإسلام إلى تعظيمه وتكريمه بالاجتماع لعبادته استحق من التشريع ما يتناسب وقدسيته. ماذا ينبغي عند الاجتماعات الكبيرة التي يلتقي فيها الزارع والصانع والعامل؟ والتي يلتقي فيها الغني الذي يجد ألوان الثياب فيغير كل يوم ثوباً، والفقير الذي لا يجد إلا ما يستر به عورته فلا يخلع ثوب الصوف عن بدنه يتكدس بين طياته العرق وريحه الكريهة تزداد يوماً بعد يوم؟
الإسلام دين النظافة، ودين الألفة والمحبة، ودين مراعاة المشاعر والأحاسيس، فليدع إلى ما يحصل هذا الهدف السامي، وما يجعل من هذا اللقاء الأسبوعي فرصة راحة وسعادة وهدوء نفسي يستمتع بالذكر والوعظ والصلاة في جو ملائكة الرحمة وفي مظلة عفو الله وكرمه وفضله.
كم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه للاستعداد إلى هذا الموكب: "إذا أراد أحدكم أن يأتي الجمعة فليغتسل". "غسل يوم الجمعة واجب على كل -بالغ- محتلم". "غسل يوم الجمعة واجب على كل مسلم". نعم الغسل يزيل العرق والرائحة الكريهة من البدن فليعمل المسلم على إزالة الرائحة المتخلفة من الطعام في الفم وبين الأسنان وليحافظ على السواك للجمعة، وفوق هذا وذاك عليه بالطيب وأن يمس من طيب نفسه أو من طيب زوجه عند خروجه إلى الجمعة.
وإذا كان الشوق إلى شيء والحرص عليه يدفع المرء إلى التعجل بلقائه، وإذا كان خير ما يسعى إليه المسلم مائدة الرحمن في المسجد يوم الجمعة، كان لا بد من تسابق المسلمين إلى الذهاب، وكان من العدل والكرم أن ينال المبكر من الأجر أكثر من الذي يليه، وهذا أمر واضح غير خفي، لكن النفس البشرية قد تنشغل عنه بمباهج الحياة الدنيا والجري وراءها، فكان تنبيهه صلى الله عليه وسلم وترغيبه في السبق والتبكير بقوله: "من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر".
وهكذا يبين صلى الله عليه وسلم أن لله ملائكة يقفون يوم الجمعة على أبواب المساجد يكتبون من جاء إليها في الساعة الأولى، فيكتبون أوائل الحاضرين في فترة زمنية يعلمها الله، ولهم من أجر السبق إلى المسجد مثل أجر من يتصدق بالناقة، وإن اختلفت الناقة من حيث أوصافها حسناً وضعفاً باختلاف المتسابقين. ثم يبدأ ترتيب الحاضرين في الفترة الزمنية التي تليها، ولهم من أجر السبق إلى المسجد مثل أجر من يتصدق ببقرة، ثم الحاضرون في الفترة الزمنية التالية لهم من الأجر مثل أجر المتصدق بكبش، ثم الحاضرون في الفترة الزمنية الرابعة لهم من الأجر مثل أجر المتصدق بدجاجة، وآخر من يثاب على السبق والتبكير هم الحاضرون في الفترة الزمنية التي تنتهي بخروج الإمام وصعوده المنبر، فمن جاء بعد ذلك فليس له أجر سبق ولا أجر تبكير، لأن صحف الفضائل