-[فقه الحديث]-
هذان بابان في شرح النووي لصحيح مسلم. باب استحباب تحية المسجد بركعتين وباب استحباب ركعتين في المسجد لمن قدم من سفر أول قدومه. وظاهر صنيع النووي أن الرواية الأولى لجابر وهي روايتنا الثانية من باب استحباب تحية المسجد مع أنها نفس واقعة الرواية الثالثة والرابعة، وقد ذهب النووي إلى أن الركعتين للقادم من السفر غير تحية المسجد، فقال: في هذه الأحاديث استحباب ركعتين للقادم من سفره في المسجد أول قدومه، وهذه الصلاة مقصورة للقدوم من السفر، لا أنها تحية المسجد، والأحاديث المذكورة صريحة فيما ذكرته. اهـ.
ونقل الحافظ ابن حجر عنه قوله: ينوي بها صلاة القدوم .. لكن تحصل التحية بها. اهـ.
وأعتقد أن المستحب على القادم من سفر أن يبدأ بالمسجد، وأن المستحب لمن دخل المسجد مطلقًا أن يصلي تحية المسجد، فليست الصلاة مستحبة للقدوم من السفر، وإلا لاستحبت ولو بدون المسجد، إذ لم يقل أحد أن المسجد شرط لصحة الصلاة، لهذا لم أقتنع بترجمة البخاري بقوله: باب الصلاة إذا قدم من سفر، ولهذا ضممت أحاديث البابين تحت باب واحد. واللَّه أعلم.
قال النووي: أجمع العلماء على استحباب تحية المسجد، ويكره أن يجلس من غير تحية بلا عذر، لحديث أبي قتادة المصرح بالنهي، وسواء عندنا - أي عند الشافعية - دخل في وقت النهي عن الصلاة أم في غيره، قال أصحابنا: وتحية المسجد ركعتان للحديث، فإن صلى أكثر من ركعتين بتسليمة واحدة جاز وكانت كلها تحية، لاشتمالها على الركعتين، ولو صلى على جنازة أو سجد لتلاوة أو لشكر أو صلى ركعة واحدة لم تحصل التحية، لصريح الحديث الصحيح. هذا هو المذهب. وحكى الرافعي وجهًا أنها تحصل لحصول العبادة وإكرام المسجد، والصواب الأول، وإذا جلس والحالة هذه كان مرتكبًا للنهي. قال أصحابنا: ولا يشترط أن ينوي بالركعتين التحية، بل إذا صلى ركعتين بنية الصلاة مطلقًا، أو نوى ركعتين نافلة راتبة أو غير راتبة أو صلاة فريضة مؤداة أو مقضية أو منذورة أجزأه ذلك، وحصل له ما نوى، وحصلت تحية المسجد ضمنًا، ولا خلاف في هذا، قال أصحابنا: وكذا لو نوى الفريضة وتحية المسجد أو الراتبة وتحية المسجد حصلا جميعًا بلا خلاف. ثم قال: ولو تكرر دخوله المسجد في الساعة الواحدة مرارًا. قال صاحب التتمة: تستحب التحية كل مرة، وقال المحاملي في اللباب: أرجو أن تجزيه التحية مرة واحدة. والأول أقوى وأقرب إلى ظاهر الحديث.
ولو جلس في المسجد قبل التحية وطال الفصل فاتت ولا يشرع قضاؤها فإن لم يطل الفصل فالذي قاله الأصحاب أنها تفوت بالجلوس، والذي يقتضيه حديث سليك أنه إذا ترك التحية جهلاً بها أو سهوًا يشرع له فعلها ما لم يطل الفصل.
وقال: قال أصحابنا: تكره التحية في حالتين: إحداهما إذا دخل والإمام في المكتوبة، أو قد شرع المؤذن في الإقامة: الثانية إذا دخل المسجد الحرام فلا يشتغل بها عن الطواف.