وقد اعتمد الرواية الخامسة كثير من العلماء، وكأنهم نظروا إلى المعنى لأن "حي الصلاة" يناقض "صلوا في بيوتكم" لأن معنى "حي على الصلاة" هلموا إليها ومعنى الصلاة في البيوت التأخر عن المجيء، ولا يناسب إيراد اللفظين معًا لأن أحدهما نقيض الآخر. قال الحافظ ابن حجر: ويمكن الجمع بين الجملتين ولا يلزم منه التناقض، بأن يكون معنى الصلاة في الرحال رخصة لمن يريد أن يترخص، ومعنى "هلموا إلى الصلاة" ندب لمن أراد أن يستكمل الفضيلة ولو تحمل المشقة، ويؤيد ذلك حديث جابر عند مسلم [روايتنا الرابعة] "ليصل من شاء منكم في رحله"، واختار بعضهم العمل بالرواية الثانية، وأن جملة "صلوا في بيوتكم" تقال بعد الانتهاء من الأذان، وقال القرطبي: يحتمل أن يكون المراد في آخره قبيل الفراغ منه جمعًا بين الحديثين. اهـ.
ويؤيده ما أخرجه عبد الرزاق بإسناد صحيح عن نعيم بن النحام قال: أذن مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم للصبح في ليلة باردة، فتمنيت لو قال: ومن قعد فلا حرج. فلما جاء: "الصلاة خير من النوم" قالها.
فتحصل من الخلاف ثلاثة أقوال: أن تقال بدل الحيعلة، وأن تقال بعد الفراغ من الأذان، وأن تقال في أواخر الأذان وقبل الانتهاء منه.
قال النووي: والأمران [أي بدل الحيعلة أو بعد الانتهاء] جائزان كما نص عليه الشافعي، لكن بعده أحسن، ليتم نظم الأذان. اهـ واللَّه أعلم.
-[ويؤخذ من الحديث فوق ما تقدم]-
1 - يسر التشريع، وأن اللَّه يريد بنا اليسر ولا يريد بنا العسر.
2 - وتخفيف أمر الجماعة في المطر ونحوه من الأعذار، وأنها متأكدة إذا لم يكن عذر.
3 - وأنها مشروعة لمن تكلف الإتيان إليها وتحمل المشقة.
4 - وأنها مشروعة في السفر.
5 - وأن الأذان مشروع في السفر.
6 - وفيه دليل على سقوط الجمعة بعذر المطر ونحوه.
7 - استدل به بعضهم على الترخيص بالكلام في الأذان، ومنهم أحمد بن حنبل وابن المنذر وعن الثوري المنع، وعن الأوزاعي الكراهة، وعن أبي حنيفة وصاحبيه خلاف الأولى، وعليه يدل كلام الشافعي ومالك. والذي نميل إليه الكراهة إلا إذا كان في مصلحة الصلاة فلا يكره.
واللَّه أعلم