3 - وقيل: إن عثمان فعل ذلك من أجل الأعراب الذين حضروا معه، لئلا يظنوا أن الصلاة فرضها ركعتان حضراً وسفراً، وقد روى البيهقي عن عبد الرحمن بن حميد بن عوف عن أبيه عن عثمان "أنه أتم بمنى، ثم خطب فقال: إن القصر سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، لكنه حدث طغام [بفتح الطاء والغين أي بدو جهلاء] فخفت أن يستنوا" وأبطل المحققون هذا القول بأن هذا المعنى كان موجوداً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، بل اشتهر أمر الصلاة في زمن عثمان أكثر مما كان مما يستبعد معه أن يكون الهدف تعليم البدو.
4 - وقيل: لأن عثمان نوى الإقامة بمكة بعد الحج فأتم، وأبطلوه بأن الإقامة بمكة حرام على المهاجر فوق ثلاث، ويؤكد بطلانه أن عثمان كان يسرع بالخروج من مكة خشية أن يرجع في هجرته، بل ثبت أنهم لما حاصروه وقال له المغيرة: اركب رواحلك إلى مكة، قال: لن أفارق دار هجرتي. ويؤكد بطلانه أن هذه العلة لم تتوافر لعائشة حتى تتأول بها هي الأخرى.
5 - وقيل: كان لعثمان أرض بمنى، فاعتبر نفسه من أهلها فأتم، وأبطلوه بأن ذلك لا يقتضي الإتمام، ثم إن هذا السبب لا يصلح سبباً لإتمام عائشة.
6 - وخير الأجوبة جوابان.
أحدهما: أن عثمان كان يرى أن القصر مختص بمن كان شاخصاً سائراً وأما من أقام في مكان في أثناء سفره فله حكم المقيم فيتم، وربما كانت عائشة على هذا الرأي باجتهاد منهما بقياس الإقامة أثناء السفر على الإقامة مطلقاً.
ثانيهما: أن عثمان وعائشة كانا يريان جواز القصر والإتمام ويفضلان الإتمام عند القدرة، ويريان أن الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبيه قد أخذوا أنفسهم بالأيسر شفقة بالأمة، أما هما فأخذوا أنفسهما بالشدة. قاله ابن بطال. هذا هو الوجه الصحيح ورجحه كثير من العلماء منهم القرطبي وغيره، ويؤيده ما رواه البيهقي عن عروة "أنها كانت تصلي أربعاً، فقال لها عروة: لو صليت ركعتين؟ قالت: يا ابن أختي، إنه لا يشق علي" وإسناده صحيح.
7 - وقد قيل فوق ذلك عن تأويل عائشة بأنها كانت ترى أن القصر إنما يكون عند الخوف. فقد أخرج ابن جرير في تفسير سورة النساء أن عائشة كانت تصلي في السفر أربعاً، فإذا احتجوا عليها تقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان في حرب، وكان يخاف، فهل تخافون أنتم؟ . وهذا القول باطل للرواية التاسعة عشرة والمتممة للعشرين من رواياتنا، وفيهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقصر والناس آمن ما يكونون.
8 - وقيل في تأويل عائشة إنها إنما أتمت في سفرها إلى البصرة إلى قتال علي، والقصر عندها إنما يكون في سفر طاعة، وهذا القول ظاهر البطلان.