-[المعنى العام]-
حرص الشارع الحكيم على تقديس الصلاة، وحمايتها من مظاهر اللَّهو والعبث، وحماية ساحتها من الذهاب والمجيء، وتوفير وسائل الخشوع والاستغراق في مناجاة اللَّه فيها. فأمر المصلي بأن يحجز مكان صلاته عن مرور الناس بجدار أو بعصا أو بساتر ما، وحذر المار من أن يمر بين هذا الساتر وبين المصلي، وخوفه بالوعيد الشديد الذي يستصغر أمام عظمه أن يقف أربعين سنة انتظارًا لانتهاء المصلي من صلاته لو قدر له أن يبقى في صلاة هذه المدة. وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم القدوة الصالحة، فلم يكن يصلي إلا إلى ساتر، بل كان إذا سافر أو تعرض للصلاة في بيداء أخذ معه عصا يغرسها أمامه كساتر وكان أحيانًا يتخذ بعيره ساترًا، وأحيانًا يتخذ الجدار، وأحيانًا يتخذ الأسطوانة في المسجد. وحرض المصلي إن اعتدى على قداسة موضع صلاته بمرور أحد بين يديه أن يدفعه بيده دفعًا خفيفًا، فإن لم يمتنع دفعه بما هو أشد إلى أن يصل إلى المنع، حتى ولو لم يكن إلا بالمقاتلة كان له أن يقاتله. ونفذ الصحاب تعاليمه، ولم يعبئوا بغضب المخطئ ولا بشكايته.
ولما كان الهدف من منع المرور توفير أكبر قدر من الخشوع والتفرغ للصلاة كان ما يثير الانشغال بدرجة أكبر جديرًا بالتحذير بدرجة أشد، ومن ذلك المرأة، أحبولة الشيطان، فالمرأة أشد فتنة على الرجل من أي كائن آخر، تتحرك لها العين، ويرهف لها السمع، ويهفو إليها الفؤاد، ومن ذلك الحمار، أبلد الحيوانات طبعًا، وأنكرها صوتًا وأكثرها نفورًا، ومن ذلك الكلب الأسود الذي جمع إلى نجاسته قبح صورته، لذا حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من هذه الثلاث، بل بالغ في التحذير بأنها بمرورها تقطع الصلاة على المصلي.
ودافعت عائشة رضي الله عنها عن المرأة، وروت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهي أمامه، فلم يكن ليفعل ذلك لو أن مرورها مبطل لصلاته. وزادت الدفاع حتى وصل إلى أنه كان يغمزها لتقبض رجليها من قبلته.
وانضمت أم المؤمنين ميمونة إلى عائشة في الدفاع عن المرأة فروت كل منهما صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بجوار المرأة الحائض، وفي ثوب يتصل ويغطي المرأة الحائض فصلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه الطاهرات المطهرات أمهات المؤمنين.
-[المباحث العربية]-
(بين يديه) أي أمامه بالقرب منه.
(مثل مؤخرة الرحل) أي مقدار مؤخرة الرحل، و"مؤخرة الرحل" بضم الميم وكسر الخاء بينهما همزة ساكنة، ويقال بفتح الخاء مع فتح الهمزة وتشديد الخاء، ويقال: آخرة الرحل، بهمزة ممدودة وكسر الخاء، وهو العمود الذي في آخر الرحل الذي يستند إليه الراكب.