وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أول المؤمنين، كان أول المستجيبين، وكان أول الخاشعين لسماع القرآن، لكنه عند تلقيه من جبريل عليه السلام كان يقع في حالة شبيهة بالحمى من ثقل الوحي الذي يتلقاه، وكان وهو في هذه الحالة حريصاً على عدم تفلت شيء مما يسمع، فكان يحرك لسانه وشفتيه يتابع ما ينطق به جبريل، ومع هذا القصد الطيب، ومع هذا الهدف الجميل كان العتب شديداً، وكان الأمر الإلهي {لا تحرك به لسانك لتعجل به} بل أنصت واخشع واستمع {إن علينا جمعه} في صدرك {وقرآنه} وعلينا إعدادك لقراءته قراءة سليمة. {فإذا قرأناه} ونطق به جبريل عليه السلام وانتهى من قراءته {فاتبع قرآنه} وكرر قراءته {ثم إن علينا بيانه} والإيحاء إليك لتبينه للناس. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ عليه جبريل عليه السلام أطرق واستمع وأنصت فإذا ذهب الوحي قرأ. فما أحوج المسلمين إلى الخشوع عند سماع القرآن، وما أحوجهم إلى تدبر معانيه والاشتغال به عما سواه.

-[المباحث العربية]-

(كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه جبريل بالوحي كان مما يحرك به لسانه) قال النووي: إنما كرر لفظة "كان" لطول الكلام "وقد قال العلماء: إذا طال الكلام جازت إعادة اللفظ ونحوها قوله تعالى: {أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم تراباً وعظاماً أنكم مخرجون} [المؤمنون: 35] فأعاد "أنكم" لطول الكلام. اهـ.

والأولى أن تكون "كان" الثانية غير الأولى، وأن يكون اسمها ضمير الوحي والتقدير: إذا نزل عليه جبريل بالوحي كان الوحي مما يحرك به لسانه.

(فيشتد عليه) أي فيثقل عليه ويصعب عليه النطق خلف جبريل.

(فكان ذلك يعرف منه) يعني يعرفه من رآه لما يظهر على وجهه وبدنه من أثره، كما قالت عائشة رضي الله عنها: لقد رأيته ينزل عليه في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ما يفصد عرقاً.

(لتعجل به) أي لتأخذه وتستوعبه على عجل.

(فإذا قرأناه) أي فإذا قرأه عليك الملك.

(فاتبع قرآنه) فاتبع قراءته لك بالسمع والإصغاء والتدبر. أو فإذا قرأه الملك وانتهى فابدأ قراءته لنفسك والأول تفسير ابن عباس.

(ثم إن علينا بيانه) لك بالوحي لتبينه للناس عن طريق الحديث النبوي وتفسير ابن عباس يعني: إن علينا بيانه لأمتك بلسانك عن طريق إيحائنا لك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015