دون أن يخالف النهي، فعرض لها في زاوية، وهي في طريقها إلى المسجد لصلاة الفجر فغمزها، فرجعت دون أن تصلي، فلما عاد من صلاته سألها عن سبب رجوعها فقالت: كنت أظن الناس ناسا. ولم تخرج بعد ذلك إلى المسجد.
وقد قيدت الرواية الخامسة النهي عن منع الخروج بالليل، وأطلقت بقية الروايات، قال العيني: يحمل المطلق على المقيد، للإشارة إلى أن حكم النهار خلاف الليل. اهـ ويؤخذ من بقية كلام العيني أن الإذن خاص بالليل، لأنه أستر لهن، ولحديث البخاري "كانت نساء المؤمنات يشهدن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر متلفعات بمروطهن، ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة لا يعرفهن أحد من الناس" قيل في معناه: لا يعرفن أنساء أم رجال؟ وقيل: لا يعرف أعيانهن فلا يفرق بين خديجة وزينب.
وكأن الحافظ ابن حجر: حمل المقيد على المطلق، واستنبط منه جواز خروج النساء إلى المساجد لشهود الصلاة في النهار من باب أولى، قال: لأن الليل مظنة الريبة أكثر من النهار. اهـ والذي تستريح إليه النفس أن الإذن بالليل لا يستلزم الإذن بالنهار، لأن الفتنة بالليل ومظنة الريبة فيه إنما تقع من جانبها هي، أما الفتنة بالنهار ومظنة الريبة فيه فإنها تقع من جانبها ومن جانب الرجل، فاحتمال الفتنة في النهار أقوى وأعظم.
بقي أن نقول: إن للعلماء في خروج المرأة للصلاة في المسجد أقوالا وتفاصيل، يحسن بنا أن نذكر بعضها، فقال صاحب الهداية: ويكره لهن حضور الجماعات. قال الشراح: ويعني الشواب منهن. وعن الشافعي: يباح لهن الخروج عند أمن الفتنة. وعند أبي حنيفة وأصحابه: يحرم خروجهن، قالوا: "لأن في خروجهن خوف الفتنة، وهو سبب للحرام، وما يفضي إلى الحرام فهو حرام. قال العيني: فعلى هذا قولهم يكره مرادهم يحرم، لا سيما في هذا الزمان لشيوع الفساد في أهله، قال: ولا بأس للعجوز أن تخرج في الفجر والمغرب والعشاء لحصول الأمن، وهذا عند أبي حنيفة، وعند أبي يوسف ومحمد أن العجائز يخرجن في الصلوات كلها، لأنه لا فتنة فيها لقلة الرغبة. اهـ.
والمالكية يفرقون بين الشابة والعجوز، ويحملون الإذن المطلوب في الحديث على الإذن للعجائز دون الشابات.
وتمسك بعضهم بقول عائشة: فمنع النساء مطلقا من الخروج، وحاول ابن حجر وهو شافعي أن يرد هذا القول فقال: وفيه نظر، إذ لا يترتب على عبارتها تغير الحكم، لأنها علقته على شرط ولم يوجد، بناء على ظن ظنته، فقالت: "لو رأى لمنع" فيقال عليه: لم ير ولم يمنع، فاستمر الحكم، حتى إن عائشة لم تصرح بالمنع، وإن كان كلامها يشعر بأنها كانت ترى المنع، وأيضا فقد علم الله سبحانه ما سيحدثن، فما أوحى إلى نبيه بمنعهن، ولو كان ما أحدثن يستلزم منعهن من المساجد لكان منعهن من غيرها كالأسواق أولى، وأيضا فالإحداث إنما وقع من بعض النساء، لا من جميعهن، فإن تعين المنع فليكن لمن أحدثت. اهـ.