-[المعنى العام]-
كانت المرأة قبل الإسلام قعيدة البيت، حبيسة الجدران، إلا ما كان من النساء الممتهنات القائمات بالخدمات، وإلا ما كان من الإماء والجواري.
ولم يكن يؤذن لهن بالخروج إلا في حالات الضرورة القصوى، وقد لا يؤذن لها فيها، وجاء الإسلام فكرم المرأة ورفع من شأنها، ومنحها حرية الإنسان في عقيدته وحرية الإنسان في إبداء رأيه، وحرية الإنسان في الدفاع عن حقه، وحرية الإنسان في التحرك إلى ما هو مشروع.
لقد آمن النساء بالرسول صلى الله عليه وسلم كما آمن الرجال، وبايعن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما بايع الرجال، وحضرن مجالس العلم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يحضر الرجال، وأذن لهن في صلاة الجماعة في المسجد مع الرجال.
صورة من الحرية لم يعهدها الزمان ولم تعهدها الجزيرة العربية، كانت نتيجتها صراعا نفسيا بين ما ألفه الرجال وما اعتادوا من حكم النساء والتحكم فيهن وبين بزوغ شمس الحرية للنساء وما أعطينه من حقوق.
وتغلبت الأنفة العربية على بعض النفوس، وتحركت غرائز السيطرة عند بعض الأزواج فمنعوا نساءهم من الخروج إلى المسجد، واستأذن النساء فلم يؤذن لهن، فشكوا إلى رسول الحرية وبشير النور والسلام، فقال لأصحابه صلى الله عليه وسلم: "لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا رغبن فيها واستأذنكم إليها. إذا استأذنت المرأة زوجها إلى المسجد ليلا فلا يمنعها. ائذنوا للنساء بالخروج إلى المساجد".
وأحس صلى الله عليه وسلم ما يختلج في صدور أصحابه من خوف الفتنة، وخشي انفلات زمام المرأة وتعرضها للريبة، فوضعت الشريعة القيود التي تضمن الأمان والسلامة لهذا الانفتاح.
وأمرت النساء بالخروج في الظلام، متلفعات بثيابهن، غير متطيبات، ولا متزينات "إذا شهدت إحداكن العشاء فلا تطيب تلك الليلة" إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيبا "أيما امرأة أصابت بخورا فلا تشهد معنا العشاء الآخرة".
ولتلزم المرأة حافة الطريق في ذهابها وإيابها، ولا نتوسطه لئلا تختلط بالرجال، إذا سلم النساء من صلاة الفجر فليسرعن بالخروج من المسجد متلفعات بثيابهن إلى بيوتهن في الغلس والظلمة قبل أن يظهر ضوء النهار فيعرفن، وليمكث الرجال بعد السلام حتى ينصرف النساء، وليصطف النساء، في آخر المسجد خلف الرجال، ولا يرفعن أصواتهن حتى في الصلاة الجهرية، وإذا نابهن شيء في الصلاة صفقن ولا يسبحن، ولا تخرج من بيتها إلا بإذن زوجها.
واستجاب الصحابة إلى هذا التشريع بشيء من المشقة على نفوسهم، وكانوا يتمنون في قرارة أنفسهم أن لا تستأذنهم نساؤهم، ولكن هيهات، ما كاد النساء يصدقن أن ينفتح باب السجن حتى تدفقن، وما كدن يشعرن بانحسار سيف القهر والإذلال حتى هرولن.