خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء المصليات مع الرجال آخرها وشرها أولها". لم يتغلب هذا الترغيب على تواضع القوم، فظلوا يتأخرون عن الصف الأول، حتى قال لهم صلى الله عليه وسلم: "لا يزال قوم يتأخرون عن الصف الأول حتى يؤخرهم الله عن رحمته" تقدموا يا أولي النهي فائتموا بي، وليأتم بي من بعدكم، مستشعرا حركاتي عن طريقكم. فتقدم كبار الصحابة وأئمتهم إلى الصف الأول رضوان الله عليهم أجمعين.
-[المباحث العربية]-
(يمسح مناكبنا) المنكب مجتمع العضد والكتف. والمعنى يسوي مناكبنا ويقيمها في الصفوف ويعدلها بيده ويجعلها على خط مستقيم، بحيث يكون منكب كل واحد من المصلين موازيا لمنكب الآخر، فتكون المناكب والأعناق على سمت واحد.
(في الصلاة) "أل" للعهد، أي في صلاة الجماعة.
(استووا ولا تختلفوا) عطف تفسير وتأكيد، فالمراد من الاختلاف اختلاف الأجسام، وليس ما يتبادر من الاختلاف في العقائد والآراء.
(فتختلف قلوبكم) الفاء للسببية، والفعل بعدها منصوب بأن مضمرة واختلاف القلوب كناية عن وقوع العداوة والبغضاء والتقاطع، كأن مخالفة الظواهر سبب في مخالفة البواطن.
(ليلني منكم أولو الأحلام والنهى) "ليلني" بكسر اللامين وتخفيف النون من غير ياء قبل النون، قال النووي: ويجوز إثبات الياء مع تشديد النون على التوكيد، وأولو الأحلام هم العقلاء، وقيل البالغون، والنهى بضم النون العقول، فعلى القول بأن أولي الأحلام هم العقلاء يكون اللفظان بمعنى، فلما اختلف اللفظ عطف أحدهما على الآخر تأكيدا. وعلى الثاني معناه البالغون العقلاء، قال أهل اللغة: واحدة النهى نهية بضم النون وهي العقل، وسمي العقل نهية لأنه ينتهي إلى ما أمر به ولا يتجاوزه، وقيل: لأنه ينهي عن القبائح.
(فأنتم اليوم أشد اختلافا) في صفوفكم عما كنا عليه أيام نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاختلاف، فأنتم اليوم أشد تعرضا لاختلاف القلوب.
(وإياكم وهيشات الأسواق) أي احذروا هيشات الأسواق، أي اختلاط الأسواق والمنازعات والخصومات وارتفاع الأصوات واللغط والفتن فيها، أي احذروا في صلاتكم وصفوفكم ما يشبه هيشات الأسواق من الهرج والاختلاف والمنازعة.
(سووا صفوفكم) في الصلاة، أي اجعلوها، مستوية ولا خلل فيها.