وَاللَّهِ لَا أُحَدِّثُكَ بِغَيْرِهِ، وَلَا حَدَّثْتُ قَوْمًا تَكُونُ فِيهِمْ، انْتَهَى.
وَاسْلُكْ مَا سَلَكْتَهُ فِي بَلَدِكَ مِنَ الِابْتِدَاءِ بِالْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ، وَلَا تَكُنْ كَمَنْ رَحَلَ مِنَ الشَّامِ إِلَى مِصْرَ فَقَرَأَ بِهَا عَلَى مُسْنِدِ الْوَقْتِ الْعِزِّ بْنِ الْفُرَاتِ الَّذِي انْفَرَدَ بِمَا لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ فِي سَائِرِ الْآفَاقِ غَيْرُهُ (الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ) لِلْبُخَارِيِّ بِإِجَازَتِهِ مِنَ الْعِزِّ بْنِ جُمَاعَةَ لِسَمَاعِهِ مِنْ أَبِيهِ الْبَدْرِ، مَعَ كَوْنِ فِي مُسْنَدَيِ الْقَاهِرَةِ مَنْ سَمِعَهُ عَلَى مَنْ سَمِعَهُ عَلَى الْبَدْرِ، بَلْ وَكَذَا فِي بَلَدِهِ الَّتِي رَحَلَ مِنْهَا.
وَلَا يَتَشَاغَلْ فِي الْغُرْبَةِ إِلَّا بِمَا تَحِقُّ الرِّحْلَةُ لِأَجْلِهِ، فَشَهْوَةُ السَّمَاعِ - كَمَا قَالَ الْخَطِيبُ - لَا تَنْتَهِي، وَالنَّهْمَةُ مِنَ الطَّلَبِ لَا تَنْقَضِي، وَالْعِلْمُ كَالْبِحَارِ الْمُتَعَذَّرِ كَيْلُهَا، وَالْمَعَادِنِ الَّتِي لَا يَنْقَطِعُ نَيْلُهَا.
كُلُّ ذَلِكَ مَعَ مُصَاحَبَتِكَ التَّحَرِّيَ فِي الضَّبْطِ، فَلَا تُقَلِّدْ إِلَّا الثِّقَاتِ، (وَلَا تَسَاهَلْ حَمْلًا) ; أَيْ: وَلَا تَتَسَاهَلْ فِي الْحَمْلِ وَالسَّمَاعِ بِحَيْثُ تُخِلُّ بِمَا عَلَيْكَ فِي ذَلِكَ، فَالْمُتَسَاهِلُ مَرْدُودٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي عَشَرَ مِنْ مَعْرِفَةِ مَنْ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ وَمَنْ تُرَدُّ.
[الْعَمَلُ بِالْأَحَادِيثِ وَتَوْقِيرُ الشِّيوْخِ] (وَاعْمَلْ بِمَا تَسْمَعُ) بِبَلَدِكَ وَغَيْرِهَا مِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي يَسُوغُ الْعَمَلُ بِهَا (فِي الْفَضَائِلِ) وَالتَّرْغِيبَاتِ ; لِحَدِيثٍ مُرْسَلٍ: «قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا يَنْفِي عَنِّي حُجَّةَ الْعِلْمِ؟ قَالَ: (الْعَمَلُ) » .
وَلِقَوْلِ مَالِكِ