الطَّبَرِيُّ لِلرَّجُلِ: أَلَا تَقْرَأُ؟ فَأَشَارَ الرَّجُلُ إِلَى ابْنِ الْوَزِيرِ، فَقَالَ لَهُ الطَّبَرِيُّ: إِذَا كَانَتِ النَّوْبَةُ لَكَ، فَلَا تَكْتَرِثْ بِدِجْلَةَ وَلَا الْفُرَاتِ. انْتَهَى.
وَهَذِهِ - كَمَا قَالَ شَيْخُنَا - مِنْ لَطَائِفِ ابْنِ جَرِيرٍ وَبَلَاغَتِهِ، وَعَدَمِ الْتِفَاتِهِ لِأَبْنَاءِ الدُّنْيَا.
(وَ) كَذَا لَا تَخُصَّ وَاحِدًا بِالْإِقْبَالِ عَلَيْهِ، بَلْ (أَقْبِلِ عَلَيْهِمِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ، جَمِيعًا إِذَا أَمْكَنَ، فَذَاكَ مُسْتَحَبٌّ ; لِقَوْلِ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ: كَانُوا يُحِبُّونَ إِذَا حَدَّثَ الرَّجُلُ أَلَّا يُقْبِلَ عَلَى الْوَاحِدِ فَقَطْ، وَلَكِنْ لِيَعُمَّهُمْ.
وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ مِنَ السُّنَّةِ. وَأَعْلَى مِنْ ذَلِكَ أَلَّا تَخُصَّ أَحَدًا بِالتَّحْدِيثِ، لَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ مِمَّنْ يَتَرَفَّعُ عَنِ الْجُلُوسِ مَعَ مَنْ يَرَاهُ دُونَهُ، فَضْلًا عَنْ مَجِيئِكَ إِلَيْهِ، وَقَدْ سَأَلَ الرَّشِيدُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ إِدْرِيسَ الْأَوْدِيَّ أَنْ يُحَدِّثَ ابْنَهُ فَقَالَ: إِذَا جَاءَ مَعَ الْجَمَاعَةِ حَدَّثْنَاهُ. وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ إِمَامِنَا الشَّافِعِيِّ فِيمَا رُوِّينَاهُ مِنْ جِهَةِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيِّ عَنْهُ:
الْعِلْمُ مِنْ شَرْطِهِ لِمَنْ خَدَمَهْ ... أَنْ يَجْعَلَ النَّاسَ كُلَّهُمْ خَدَمَهْ
وَوَاجِبٌ صَوْنُهُ عَلَيْهِ كَمَا ... يَصُونُ فِي النَّاسِ عِرْضَهُ وَدَمَهْ
وَلَا تَجْلِسْ فِي الظِّلِّ وَهُمْ فِي الشَّمْسِ، وَاخْفِضْ صَوْتَكَ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْمَجْلِسِ سَيِّئُ السَّمْعِ.