وَفِيهِ نَظَرٌ لِلتَّجْوِيزِ السَّابِقِ قَرِيبًا. وَحِينَئِذٍ فَطُرُقُ كَوْنِ حَدِيثِ شَدَّادٍ الْمَرْفُوعِ: ( «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» ) مَنْسُوخًا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ مُحْرِمٌ) ; لِكَوْنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِنَّمَا صَحِبَهُ مُحْرِمًا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ سَنَةَ عَشْرٍ، وَشَدَّادٌ قُيِّدَ حَدِيثُهُ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ ; إِمَّا بِزَمَنِ الْفَتْحِ كَمَا فِي رِوَايَةٍ، وَكَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ، وَإِمَّا بِرَمَضَانَ كَمَا فِي أُخْرَى، وَأَيًّا مَا كَانَ فَهُوَ قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ.
أَمَّا الْأَوَّلُ فَوَاضِحٌ، وَأَمَّا الثَّانِي فَحَجَّةُ الْوَدَاعِ لَمْ يَكُنْ بَعْدَهَا فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَمَضَانُ.
احْتِمَالُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ عَبَّاسٍ تَحَمَّلَهُ عَنْ غَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ، عَلَى أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ: وَإِسْنَادُ الْحَدِيثَيْنِ جَمِيعًا مُشْتَبِهٌ. قَالَ: وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَمْثَلُهُمَا إِسْنَادًا.
(وَ) أَمَّا رَابِعُهَا فَلَيْسَ عَلَى إِطْلَاقِهِ فِي كَوْنِ الْإِجْمَاعِ نَاسِخًا. بَلِ الْعُلَمَاءُ مِنَ الْمُحَدِّثِيِنَ وَالْأُصُولِيِّينَ إِنَّمَا (رَأَوْا دِلَالَةَ الْإِجْمَاعِ) عَلَى وُجُودِ نَاسِخٍ غَيْرِهِ، بِمَعْنَى أَنَّ بِالْإِجْمَاعِ يُسْتَدَلُّ عَلَى وُجُودِ خَبَرٍ مَعَهُ يَقَعُ بِهِ النَّسْخُ، وَعَلَيْهِ يَنْزِلُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَسَائِرِ الْمُطْلِقِينَ، (لَا) أَنَّهُمْ رَأَوْا (النَّسْخَ بِهِ) ; لِأَنَّهُ لَا يُنْسَخُ بِمُجَرَّدِهِ ; إِذْ لَا يَنْعَقِدُ إِلَّا بَعْدَ الرَّسُولِ، وَبَعْدَهُ ارْتَفَعَ النَّسْخُ، وَكَذَا لَا يُنْسَخُ. وَلِذَلِكَ أَمْثِلَةٌ كَثِيرَةٌ ; كَنَسْخِ رَمَضَانَ صَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَالزَّكَاةِ وَسَائِرِ الْحُقُوقِ فِي الْمَالِ، وَ (كَـ) حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ، وَجَابِرٍ، وَجَرِيرٍ، وَشُرَحْبِيلَ بْنِ أَوْسٍ، وَالشَّرِيدِ بْنِ أَوْسٍ الثَّقَفِيِّ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَغُطَيْفٍ، وَأَبِي الرَّمْدَاءِ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَغَيْرِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مَرْفُوعًا فِي (الْقَتْلِ) لِشَارِبِ الْخَمْرِ (فِي) مَرَّةٍ (رَابِعَةٍ) صَدَرَتْ مِنْهُ