الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
سبق الحديث في كتاب التوحيد عن باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وقول الله عز وجل: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف:108].
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً إلى اليمن قال: إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله -وفي رواية: إلى أن يوحدوا الله- فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب).
هذا الحديث العظيم يعلم النبي صلى الله عليه وسلم فيه معاذاً رضي الله عنه ما الذي يصنعه عندما يأتي قوماً من أهل الكتاب.
فالباب هنا معقود للدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله، أو لما يدعى الكافر إلى توحيد الله سبحانه وتبارك وتعالى.
فبين النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث لـ معاذ التركيب المنطقي في الدعوة، وما الذي يبدأ به، ثم بماذا يثني، ثم بماذا يثلث، فأول ما يبدأ به في الدعوة إلى الله الدعوة إلى لا إله إلا الله، ففي الحديث هنا: (فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله -وفي رواية-: إلى أن يوحدوا الله)، وهو نفس معنى أن تدعوهم إلى أن يقولوا: لا إله إلا الله، تدعوهم إلى توحيد الألوهية.
فإذا هم أطاعوا لذلك فابدأ بالمرحلة الثانية وهي أن تدعوهم إلى الصلاة التي افترضها الله عز وجل عليهم، وبين لهم ماهي هذه الصلاة.
إن شهادة أن لا إله إلا الله هي أول ما يجب على المسلم أن يتعلمه، وأن يعرف معناها ومقتضى هذه الكلمة، فمعنى لا إله إلا الله: لا معبود حق إلا الله.
وأهل الجاهلية لما فهموا هذا المعنى رفضوا الإسلام، فلما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (قولوا لا إله إلا الله)؛ علموا أن هذه الكلمة معناها: لا خالق إلا الله، ولا رازق إلا الله، هم يعرفون ذلك وهم مؤمنون بأن الله هو الذي يخلق ويرزق وينفع ويضر، كذلك العبادة لا بد أن يوجهوها إليه وحده لا شريك له.
هذا الذي رفضه المشركون عصبية وجاهلية وحسداً للنبي صلى الله عليه وسلم.
أن كل واحد من أهل الجاهلية كان عنده صنم خاص به يعبده إذا كان من أشراف الناس، فإذا كنت ستأمرنا أن نترك هذه الأصنام، وأن نعبد إلهاً واحداً، وتقول: إنك رسول هذا الإله، ونحن سنتبعك، وستصير الرئيس فينا، وتأمرنا افعلوا كذا ولا تفعلوا كذا فلا، فلذلك لما قال: (قولوا كلمة واحدة أضمن لكم بها الجنة، قالوا: نقول ما تشاء عشر مائة، ما هي الكلمة التي تريد؟ قال، قولوا: لا إله إلا الله، قالوا: أما هذه فلا)، رفضوا أن يقولوا لا إله إلا الله لأنهم فهموا المعنى.
فهناك فرق بين أن تقول: لا رب إلا الله، لا خالق إلا الله، وبين أن تقول: لا إله إلا الله، فمعنى لا إله إلا الله: أنا لن أعبد إلا إلهاً واحداً، ولن أتوجه بالعبادة في هذا الدين إلا إلى الإله المستحق للعبادة، ولن أصلي إلا لله، ولن أدعو إلا إلى الله سأصوم لله سأحج لله لن أشرك به شيئاً في عبادتي.
فأهل الجاهلية فهموا هذا المعنى، ولما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى أهل اليمن كانوا عرباً وسيفهمون هذا المعنى، فقال: (فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله) فإذا أقروا بذلك واستجابوا فاطلب منهم الشيء الثاني وهو الصلوات الخمس التي فرضها الله عز وجل على عباده.