ضلال أهل الجاهلية في عبادتهم لغير الله في الرخاء ورجوعهم إلى الله في الشدة

فإن أهل الجاهلية إذا كانوا في رخاء عبدوا الله وعبدوا غيره، وأشركوا بالله سبحانه، فإذا مسهم الضر عبدوا الله وحده، ولذلك فإن عكرمة بن أبي جهل لما فر من النبي صلوات الله وسلامه عليه وركب البحر، جاء الموج وعلا، وكانت الأمواج شديدة، وكادت السفينة تغرق به وبمن معه، فقال ربان السفينة: يا قومي إنكم قد علمتم أنه لا ينجيكم من هذه إلا الله سبحانه وتعالى.

وأمرهم أن يخلصوا لله.

فإذا بـ عكرمة يتفكر، أن الذي ينجيهم من هذه الله ولا ينجيهم منها غيره، فهم الآن سيعبدون ربهم، وقبل ذلك لم يكونوا يدعونه، فتنبه للشرك الذي هم فيه فقال: لئن أنجاني الله من ذلك لأذهبن إلى محمد ولأضعن يدي في يده ثم لأجدنه رءوفاً رحيماً.

فكان كما ظن! أهل الجاهلية لما كان يصيبهم شر يقولون: يا رب، كما قال الله سبحانه وتعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء:67] يعني: ضاع كل من كنتم تدعونه من دون الله، ولجأتم إلى الإله الواحد الذي في السماء، قال تعالى: {فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُورًا} [الإسراء:67] فقد كان الإنسان يخذل نفسه بكفره بالله سبحانه وتعالى وبشركه وجهله.

والغرض: أن من الناس من يقول: لا إله إلا الله، وإذا به في وقت رخائه يقول: يا فلان، وإذا اشتد كربه يزداد شركاً بالله سبحانه وتعالى.

انظر: الطلبة أيام الامتحانات يذهبون عند سيدهم فلان، وسيدهم فلان، فمنهم من يقول: يا سيدي جابر حصل كذا وكذا، اكتب لي ورقة، ويحطها له في القبر من أجل ينجح في الامتحان، ومنهم من يقول: يا سيدي أبا العباس، اعمل لي كذا وكذا.

وهؤلاء إن كانوا أقواماً صالحين، فلهم عبادتهم وينتفعون بأعمالهم.

أما تدعو إنساناً لا يملك لنفسه شيئاً، وتترك الله سبحانه وتعالى، فإن هذا شرك عظيم.

(جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقول: يا رسول الله، ما شاء الله وشئت، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أجعلتني لله نداً؟ قل: ما شاء الله وحده)، وفي حديث آخر: (قل: ما شاء الله ثم شئت).

فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أن يبدأ بالله وحده، فيعلمهم التوحيد، وأن لا يشركوا بالله سبحانه.

ومن الابتلاء الذي يحدث: ذهاب الناس إلى مولد السيد البدوي، ثم يعتقدون أشياء منها: أن الذهاب إلى مولد السيد البدوي أحسن من عشر حجات فهل نزل وحي بعد النبي صلى الله عليه وسلم؟! فإنه لا يحل لمسلم أن يقول ذلك، ولا أن يذهب ويطوف بشيء إلا بالكعبة التي شرع الله عز وجل الطواف بها لتوحيده سبحانه.

تطوف بالكعبة وتقول: يا الله، ولا تقول: يا رسول الله، ولا تقول: يا أهل بيت الله، وإنما تقول: يا الله.

وعندما تذهب إلى عرفات تقول: لا إله إلا الله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله).

الفائدة الرابعة عشرة: تأمل الجمع بين كون عيسى ومحمد عبدي الله ورسوليه صلوات الله وسلامه عليهما.

الخامسة عشرة: معرفة اختصاص عيسى بكونه كلمة الله، وكلمة الله يعني: أنه خلق ووجد بها، وليس هو عين الكلمة، وكلام الله عز وجل صفة من صفاته ليس مخلوقاً، إنما المسيح مخلوق بالكلمة، قال تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [آل عمران:59] فكان آدم بكن وكان المسيح بكن، وكان كل خلق الله عز وجل بكن.

السادسة عشرة: معرفة كونه روحاً من الله.

يعني: خلقه الله سبحانه وتعالى كما خلق غيره من الأرواح.

السابعة عشرة: معرفة فضل الإيمان بالجنة والنار، ومن آمن بالجنة استحق أن يدخلها، ومن لم يؤمن بها استحق أن يحرم منها، ومن آمن بأن الله عز وجل خلق النار عذاباً لمن عصاه ابتعد عن المعاصي واستحق أن لا يدخلها.

الثامنة عشرة: معرفة قوله: (على ما كان من العمل) وإذا كان قد عمل عملاً سيئاً وغلبت سيئاته حسناته استحق أن يدخل النار، ولكن يوماً من الأيام يخرجه رب العالمين ويدخله الجنة، ويعرف عصاة الموحدين في النار بآثار السجود، يعني: عندما يشفع الشافعون من أنبياء وملائكة ينظرون في أهل النار، فيعرفون عصاة الموحدين، ويفرقون بينهم وبين المشركين بآثار السجود، فيشفعون لهم ويخرجون من النار.

التاسعة عشرة: معرفة الميزان أن له كفتين.

والميزان مخلوق خلقه الله، فتوزن عليه الأعمال يوم القيامة.

العشرون: معرفة ذكر وجهه سبحانه وتعالى.

ونؤمن به وبصفاته على النحو الذي ذكر في كتابه، فذكر أن له سبحانه وتعالى الوجه، قال تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن:27] فنؤمن بذلك، وذكر لنفسه السمع والبصر وغير ذلك، فنؤمن بهذا كله.

وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015