اشتراط خلوص التوحيد من الشرك

قال: وأخرج البخاري عن قتادة قال: حدثنا أنس بن مالك، أن النبي صلى الله عليه وسلم ومعاذ رديفه على الرحل قال: (يا معاذ! قال: لبيك يا رسول الله وسعديك، قال: يا معاذ! قال: لبيك يا رسول الله وسعديك، قال: يا معاذ! قال: لبيك يا رسول الله وسعديك، قال: ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صدقاً من قلبه) فقيد رسول الله قولها بأنه مستيقن من قلبه، وقيد آخر: (من علم أنه لا إله إلا الله) بمعنى: استيقن، قال: (إلا حرمه الله تعالى على النار، قال: يا رسول الله! أفلا أخبر به الناس فيستبشروا؟ قال: إذاً يتكلوا، فأخبر بها معاذ عند موته تأثماً).

لحديث ذكرناه قبل ذلك، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم خشي على الناس من الاتكال لعله يأتي من لا يفهم معنى هذا الحديث فإذا به يظن أنه يقول: لا إله إلا الله بلسانه ولا يعمل شيئاً، ولا يأتي بشروط لا إله إلا الله، ولا يعلم علم اليقين فيستغيث بغير الله، ويعبد غير الله، ويتوجه بالنذر والحلف لغير الله، ويظن أنه داخل تحت ذلك.

فلابد أن يقول: لا إله إلا الله، ويكفر بما يعبد من دون الله سبحانه، ويحقق التوحيد، فيستحق هذا الأجر والثواب.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في هذا الحديث ونحوه: إنها فيمن قالها ومات عليها؛ لأنه جاء في الأحاديث: (من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة) فهذه من علامات حسن الخاتمة، أن يقول: لا إله إلا الله ويموت على هذه الكلمة.

يقول شيخ الإسلام: كما جاءت مقيدة بقوله: خالصاً من قلبه، غير شاك فيها، بصدق ويقين، أي: أتى بها مخلصاً في هذه الكلمة من قلبه يقولها ولا يشك فيها، وهو أتى بها بالصدق واليقين، فيستحق أن يكون في الجنة.

يقول: فإن حقيقة التوحيد انجذاب الروح إلى الله تعالى جملة، فمن شهد أن لا إله إلا الله خالصاً من قلبه دخل الجنة؛ لأن الإخلاص هو انجذاب القلب إلى الله تعالى بأن يتوب من الذنوب توبة نصوحاً، وهذا هو الفهم الدقيق لهذه الكلمة ومبناها ومقتضاها.

فالذي يقول: لا إله إلا الله محباً لهذه الكلمة يحب الله، ويحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحب أهل هذه الكلمة، ولن يؤذي أحداً من المسلمين؛ لأن الإنسان الذي يقول: لا إله إلا الله يعلم أنه راجع إلى الله، وأن الله يحاسبه، فيخاف من الحساب فلا يقع في الذنوب، وإن وقع تاب إلى الله سبحانه وتعالى، والذي يقول لا إله إلا الله يحب الجنة، ويحب أعلى الجنة، ويعلم أن أعلى الجنة لن ينالها إلا بمكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، فيعمل أحسن العمل.

وقول لا إله إلا الله يدفع الإنسان للعمل؛ لأن الكلمة تدل بكلام صاحبها وبفعاله على صدقه أو كذبه فيها.

يقول شيخ الإسلام: وقد تواترت الأحاديث بأنه يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله.

ومعنى ذلك: أن أصحاب المعاصي قد يدخلون النار إلا ما شاء الله، ثم يخرجون بفضل الله وبهذه الكلمة العظيمة.

قال: تواترت الأحاديث بأنه يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، وما يزن خردلة، وما يزن ذرة، فيخرج من النار من في قلبه مقدار من الخير، ولكن استحق النار، بأن ذنوبه أكثر من حسناته، كذلك تواترت بأن كثيراً ممن يقول: لا إله إلا الله يدخل النار ثم يخرج منها.

وتواترت الأحاديث بأن الله حرم على النار أن تأكل أثر السجود من ابن آدم، فإذا حرم على النار أن تأكل أثر السجود، فمعنى ذلك: أن فيها أناساً من الموحدين وكانوا مصلين، فلما دخلوا النار وعذبوا فيها حرم على النار أن تأكل جباههم، وأن تأكل أيديهم، وأن تأكل أرجلهم، وأن تأكل ركابهم؛ لأنها مواضع للسجود، ولكن غيرها ستأكل منها النار، والمعنى: أن من الموحدين ومن المصلين من يدخل النار بسبب ذنوبه، ثم يوماً من الأيام تنفعه هذه الكلمة أن يخرج من النار.

يقول: وتواترت الأحاديث بأنه يحرم على النار من قال: لا إله إلا الله، ومن شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لكن جاءت مقيدة بالقيود الثقال فلا بد له أن يفهمها.

والذي يقولها وهو لا يفهم معناها، وأنه يستوي عنده أن يعبد الله أو يعبد الهوى، أو يعبد الشيطان، أو يعبد الأحجار، فهذا لم يفهم هذه الكلمة وليس من أهلها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015