إذاً: أهل الجاهلية كان في قلوبهم عصبية، وكان في قلوبهم التعالي، حيث يتعالى بعضهم على بعض حتى في العبادة، هذا صنمه أفضل من صنم هذا، وهذا الصنم من تمر، وهذا من حجر، وهذا من تراب، فعلى ذلك كان الشرك في قلوب هؤلاء يمنعهم من أن يعبدوا إلهاً واحداً، فلما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: اعبدوا الله ما لكم من إله غيره، عاندوا وأبوا وأخذ يكلم بعضهم بعضاً ويقول: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص:5].
فتعجبوا من غير عجب، حيث إنهم يتعجبون لشيء صحيح، حيث إن الإله إله واحد، وهذا يفهمه العقل، ولكن انطمست قلوبهم بالكفر فلم يفهموا ذلك، أو فهموا وتعالوا أن يقبلوا دين ربهم العالمين، فيسمعوا من النبي صلوات الله وسلامه عليه، ولذلك كان قائلهم يقول: كنا وبنو هاشم كفؤاً، أطعموا الحجيج فأطعمنا، وسقوا فسقينا، وفعلوا كذا ففعلنا، ثم يقولون: منا نبي، وأنى لنا بنبي؟ وهم يعلمون أنه صادق صلوات الله وسلامه عليه، ولكن الكبر هو الذي منعهم، ظناً منهم أن بني هاشم يتفاخرون بنبيهم.
إذاً: مشركو العرب جحدوا كلمة لا إله إلا الله لفظاً وجحدوها معنىً.
والجحد: الرفض للشيء وإن كان يعلمه في نفسه، مثلما تقول: فلان جحد الدين، أي: هو يعرف أنه عليه دين، ولكن يرفض أن يصرح ويقر بذلك، فهؤلاء كذلك جحدوا الله لفظاً وجحدوه معنىً، قال تعالى: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا} [ص:5] أي: فليس من الممكن أن يكون إلهاً واحداً بل هي آلهة متعددة.
قال: وهؤلاء المشركون بعد النبي صلى الله عليه وسلم لما استقر الإسلام ثم بدأ يظهر الشرك مرة ثانية ويتوجه الناس إلى دعاء غير الله، والاستغاثة بغير الله وعبادة غير الله والاعتقاد في غير الله سبحانه، فإذا بهم يتوجهون إلى القبور.
فوجهوا عبادتهم إلى غير الله، يقولون: لا إله إلا الله لفظاً وإذا بهم يشركون بالله عز وجل، مع أنهم ممن شهد أن لا إله إلا الله، وهذا توحيد الألوهية وأن محمداً عبده ورسوله، أي: وشهد بذلك يقيناً أن محمداً عبد ورسوله، شرفه الله سبحانه وتعالى بأنه عبد استخلصه لنفسه سبحانه وجعله رسوله صلوات الله وسلامه عليه، فقال: وأن محمداً عبده ورسوله.