قال: فما أجهل عباد القبور بحالهم، وما أعظم ما وقعوا فيه من الشرك المنافي لكلمة الإخلاص، فإن مشركي العرب ونحوهم جحدوا لا إله إلا الله لفظاً ومعنىً، وهؤلاء المشركون أقروا بها لفظاً وجحدوها معنى، قال تعالى: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص:5].
والمعنى فيها: أنه إله واحد فهم تعجبوا من كونه إلهاً واحداً فقالوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا} [ص:5] فلما جاءهم النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (قولوا كلمة واحدة أضمن لكم بها الجنة، قولوها كلمة واحدة أشهد لكم بها عند الله، قالوا: قل مائة كلمة نقول لك الذي تريد، قال: قولوا: لا إله إلا الله.
قالوا: أما هذا فلا نريده) لأنهم فهموا أن معنى هذه الكلمة أنه لا معبود بحق إلا الله، لكنهم كانوا يعبدون العزى واللات ومناة وكانوا يعتزون بذلك، وكان العرب في غرورهم يظنون أن كل واحد منهم يصلح أن يصير رئيساً، ولا أحد يصير رئيساً عليه، ولذلك لما كان يذلهم الفرس والروم كانوا يتعالون عليهم، ويقولون: أنتم فيكم بيت واحد يصلح للرئاسة فقط، ففي الفرس بيت كسرى، وفي الروم بيت قيصر، أما نحن العرب فكل واحد منا يصلح أن يكون رئيساً.
وكان من العرب من يعيش عالة على هؤلاء وفي جوارهم، ومنهم: النعمان بن المنذر وغيره، أما بقية العرب فلم يكن لهم قيمة، ولكن كان في أنفسهم التعالي والكبر، فكل واحد منهم يصلح أن يكون رئيساً أو ملكاً ولا يطيع أحداً منهم الآخر.
وقد كان كل واحد منهم يتخذ لنفسه صنماً يعبده، وكان الآحاد من الناس يعبدون التماثيل، وكل واحد يصنع لنفسه تمثالاً لوحده في بيته يعبده من دون الله سبحانه وتعالى.
فلما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف:59] لم يكونوا يعلمون أنه لا إله إلا الله، وقالوا: إذا عبدنا الإله الذي تزعم أنك أتيت من عنده فستقول بعد ذلك: أنا رسول الله، وبعد ذلك ستأتي لنا بأوامر، ونحن لا نريد منك أوامر، كل واحد يعمل ما يشاء، فأنت لماذا تأمرنا وتتعالى علينا؟ ولذلك كانت هذه النزعة الجاهلية موجودة في داخلهم، وقد تلاشت بعد ذلك حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول لبعضهم: (إنك امرؤ فيك جاهلية) فيندم ويرجع ويتوب إلى الله عز وجل من ذلك.