قال الوزير أبو المظفر في الإفصاح: قوله: (شهادة أن لا إله إلا الله) يقتضي أن يكون الشاهد عالماً بأنه لا إله إلا الله، كما قال الله عز وجل: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد:19].
ومعناه: استيقن من ذلك، وهذا علم ينافي الجهل، وعلم يوافقه اليقين الذي في القلب.
ثم قال بعد ذكره للآية السابقة: واسم الله بعد إلا من حيث أنه الواجب له الإلهية فلا يستحقها غيره سبحانه، وجملة الفائدة في ذلك: أن تعلم أن هذه الكلمة مشتملة على الكفر بالطاغوت والإيمان بالله، فإنك حين تقول: أشهد أن لا إله الله، معناه: هو المعبود وحده، وأن كل ما يعبد من دونه لا يستحقون العبادة، فأنت تؤمن بالله وتكفر بالطاغوت، ولذلك قال عقب آية الكرسي: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [البقرة:256] والمقصود بها: كلمة التوحيد، قال تعالى: {لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:256].
فقولك: (لا إله) نفي لجميع الآلهة أن يستحقوا العبادة، وهو نفيٌ يعني الكفر بالطاغوت، ومعنى (يكفر الشيء): يستره ويطمسه ويمحوه، فالإنسان المؤمن يكفر بالطواغيت ولا يعبدها.
وقوله تعالى: {بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [البقرة:256] العروة: الحلقة، قال تعالى: {لا انفِصَامَ لَهَا} [البقرة:256] فأنت حين تمسك حلقة من حديد مقفلة محكمة مبهمة وتحاول أن تفصلها وتشقها لا تقدر على ذلك، فكلمة التوحيد أعظم عروة، وهي العروة الموثقة من رب العالمين التي تمسكها ولا تنكسر، فتدخل الجنة بكلمة التوحيد (لا إله إلا الله)! وجملة الفائدة في ذلك: أن تعلم أن هذه الكلمة مشتملة على الكفر بالطاغوت والإيمان بالله، فإنك لما نفيت الإلهية وأثبت الإيجاب لله سبحانه كنت ممن كفر بالطاغوت، وآمن بالله.
وقوله: (وحده لا شريك له) تأكيد وبيان لمضمون معنى هذه الكلمة، فالله يختص بهذا الوصف أنه الإله الحق سبحانه وتعالى، وكلمة لا إله إلا الله والإتيان بشروطها مفتاح للجنة، والمفتاح لا بد أن يكون له أسنان توافق القفل الذي في الباب، فكلمة لا إله إلا الله مع الإتيان بشروطها مفتاح للجنة.