بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال المصنف رحمه الله في كتاب التوحيد: [باب من تبرك بشجرة أو حجر ونحوهما.
وقول الله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى} [النجم:19 - 20].
وعن أبي واقد الليثي رضي الله عنه قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين ونحن حدثاء عهد بكفر، وللمشركين سدرة يعكفون عندها وينوطون بها أسلحتهم، يقال لها: ذات أنواط، فمررنا بسدرة فقلنا: يا رسول الله! اجعل لنا ذات أنواط، كما لهم ذات أنواط فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله أكبر إنها السنن.
قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: {اجْعَل لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} [الأعراف:138] لتركبن سنن من كان قبلكم) رواه الترمذي وصححه.
هذا هو الباب التاسع في كتاب التوحيد، وفيه من تبرك بشجرة أو حجر ونحوهما.
والتبرك هو: طلب البركة، وتفعل تفاعلاً: طلب شيئاً من آخر، فهنا التبرك: التفاعل الطلب، وهو أن يطلب البركة من غيره.
والتبرك إما أن يكون بما جاء من كتاب الله سبحانه، ومن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فتطلب البركة باتباعك لكتاب الله، واتباعك لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، وحبك لذلك، وبركة عظيمة أن تقرأ القرآن وتعمل به، وتقرأ سنة النبي صلى الله عليه وسلم وتعمل بها.
أو تتبرك بآثار من آثار النبي صلوات الله وسلامه عليه، فقد ثبت أن الصحابة كانوا يتبركون بآثاره صلوات الله وسلامه عليه، فإذا طلب الإنسان البركة من غير ذلك، فقد طلب الشيء ممن لا يقدر على تحقيقه، ولا يجوز لإنسان عاقل أن يفعله، فإذا ذهب إنسان إلى شجرة أو حجر واعتقد أن في هذه الشجرة بركة، أو أن في هذا الحجر بركة، وطلب منه شيئاً، فليعلم أن هذه الحجرة أو الشجرة لا تملك لنفسها شيئاً حتى تملكه لغيرها.
ولما كان اتباع القرآن عبادة لله سبحانه وتعالى قال لنا: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} [الأعراف:96].
وأصل البركة آتية من السماء ومن الأرض بأمر الله سبحانه وتعالى، فلا تأتي البركة إلا عن طريق أسباب شرعية، كالإيمان والتقوى، فالله يأمرنا بالإيمان، ويأمرنا بالتقوى حتى تأتينا البركة من السماء ومن الأرض.
وتكون البركة باتباع النبي صلوات الله وسلامه عليه، وبطاعته صلى الله عليه وسلم تفتح البركة من السماء والأرض، وقد جعل الله عز وجل في النبي صلى الله عليه وسلم خصائص عظيمة منها: أنه صلوات الله وسلامه عليه فيه بركة من الله سبحانه، فيدعو بالشيء فيتحقق بفضل الله عز وجل، ويتفل على شيء فيتحول بفضل الله عز وجل إلى شيء مبارك، فالله جعل البركة في ريقه وفي دعواته صلى الله عليه وسلم وفي رقيته عليه الصلاة والسلام وفيما يلبسه ويلامس بدنه صلى الله عليه وسلم، أما ثوب غير النبي صلى الله عليه وسلم فهو كغيره من الأثواب، لا نفع من ورائه إلا أن يلبسه النبي صلى الله عليه وسلم فيكون فيه من أثر النبي صلى الله عليه وسلم، فيجوز لنا أن نتبرك بذلك، فالصحابي يجد النبي صلى الله عليه وسلم يلبس ثوباً فيطلبه منه، ويقول: ما طلبته إلا ليكون كفناً لي؛ لأن الثوب مسه جسد النبي الطاهر صلوات الله وسلامه عليه فرجا البركة من ذلك.
ولما كان الصحابة حول النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الحديبية تنخم فسقطت نخامته في يد أحدهم فأخذها ليمسح بها وجهه ويديه تبركاً بأثر النبي صلوات الله وسلامه عليه، وسكت النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك إقراراً له.
ولكن لا يجوز أن يفعل هذا من غير النبي صلى الله عليه وسلم.
إذاً: تطلب البركة مما جاء من عند رب العالمين سبحانه وتعالى من كتاب وسنة، كذلك من آثار النبي صلى الله عليه وسلم فقد ثبت أن الصحابة فعلوا ذلك.
ولا يجوز لإنسان أن يطلب البركة من غير النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن يقصد بذلك الدعاء كأن يطلب من فلان أن يدعو له مثلاً، فدعاؤه بركة، فيرجو الفضل من الله عز وجل ببركة دعاء هذا، فهذا فعله الصحابة رضوان الله عليهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك لما كانوا يستسقون فيطلبون من بعضهم أن يدعو الله عز وجل، وقد فعل ذلك عمر رضي الله عنه حين أمر العباس بن عبد المطلب أن يدعو لهم، وهذا توسل إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء.
فطلب البركة أو الوسيلة بالسبب المشروع جائز، وبالسبب غير المشروع لا يجوز.
فمن الأشياء الممنوعة أن تطلب البركة من حجر، أو من شجر، وهذا فعل المشركين الذين كفرهم الله عز وجل، وأخبر أنه لن يقبل أعمالهم ولن يغفر لهم فقال: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48].