حكم من عقد لحيته أو تقلد وتراً أو استنجى برجيع أو عظم

روى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي عن رويفع قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا رويفع: لعل الحياة تطول بك، فأخبر الناس أن من عقد لحيته، أو تقلد وتراً، أو استنجى برجيع دابة أو عظم؛ فإن محمداً صلى الله عليه وسلم بريء منه)، والحديث صحيح، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم تبرأ ممن صنع هذه الأشياء، وقوله: (لعل الحياة تطول بك)، قالوا: فيه علم من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم حيث طالت حياة رويفع إلى أن مات في سنة ست وخمسين رضي الله تبارك وتعالى عنه، أي: أنه عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم ستاً وأربعين سنة رضي الله تبارك وتعالى عنه، ومات ببرقة وهو أمير عليها وهو أنصاري رضي الله تبارك وتعالى عنه، قوله: فأخبر الناس أن من عقد لحيته، تعقيد اللحية كان من أفعال أهل الجاهلية التي يتعاظم ويفتخر بها بعضهم على بعض، فكانوا يظفرون اللحى كبراً، أو أنه من زي الأعاجم حيث كانوا يصنعونه تكبراً وعجباً فيفتلونها ويعقدونها، أو أن المعنى: أن الإنسان يعالج شعر لحيته كنوع من التفخيم لنفسه ليتعقد ويتجعد، قالوا: وهذا من أفعال أهل التأنيث، كالذي يهتم بشعر رأسه وشعر لحيته ويكثر من تسريحه فكأن هذا الأمر للنساء ليس للرجال، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا كله في اللحية وشعر الرأس.

وكذلك حلق بعض الشعر وترك بعضه من أفعال أهل الجاهلية، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن القزع وهو موجود الآن بكثرة بين الناس وهم يقلدون بصنيعهم هذا الغرب الكافر في صنيعهم، فالنبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الذي يصنع ذلك متشبهاً بالكفار أو مستكبراً على المؤمنين أنه بريء منه، قال: (فإن محمداً بريء منه).

وقوله صلى الله عليه وسلم: (من عقد لحيته أو تقلد وتراً)، أي: أخذ الوتر ووضعه في الجمل من أجل أن يأتي له الحظ وحتى لا يحصل له مكروه، وقس على ذلك ما يلبسه الناس من أشياء يزعمون أنها تجلب الحظ، فبعضهم يلعب كرة ثم يضع تميمة من أجل أن تأتي له بالحظ ويغلب فيها، وهذه أشياء ذهبت بعقول المسلمين عن دين رب العالمين ولا حول ولا قوة إلا بالله.

قال: (أو استنجى برجيع دابة)، نهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فالدابة إما أن تكون مأكولة اللحم أو غير مأكولة اللحم، فإذا كانت غير مأكولة اللحم فالرجيع الذي يخرج منها نجس، فإذا استنجى إنسان بنجاسة فقد زاد النجاسة نجاسة، وهذا لا يجوز، ومن نجس نفسه متعمداً فقد تبرأ منه النبي صلى الله عليه وسلم، أما إذا كان رجيع دابة مأكولة اللحم مثل البقرة فروثها طاهر، ولكن إذا استنجى به لوثه على دواب الجن، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن العظام ورجيع الدواب المأكولة اللحم التي ذكر اسم الله عز وجل عليها يصير طعاماً للجن ولدواب الجن، وكل عظم ذكر اسم الله عز وجل عليه فإنه يصير لحماً مرة أخرى، ويكون طعاماً للجن، وقد طلب الجن من النبي صلى الله عليه وسلم أن يعطيهم طعاماً فأباح لهم كل عظم ذكر اسم الله عز وجل عليه يرجع إليهم أوفر ما يكون لحماً، فالذي يأخذ هذا العظم وينجسه فلا يأمن أن يدعو عليه الجن أو يفعلون به شيئاً فالطعام الذي أباحه النبي صلى الله عليه وسلم للجن يحرم على هذا الإنسان أن ينجسه، وإلا فقد برئ منه النبي صلى الله عليه وسلم.

كذلك جعل النبي صلى الله عليه وسلم لدواب الجن رجيع دواب المسلمين يكون طعاماً وعلفاً لها، فالذي يستنجي بذلك كأنه يقذره عليهم ويمنعهم من استخدامه فاستحق أن يبرأ منه النبي صلى الله عليه وسلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015