الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
الباب السادس في كتاب التوحيد وهو: [باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه.
وقوله تعالى: {قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} [الزمر:38].
وعن عمران بن حصين رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً في يده حلقة من صفر، فقال: ما هذه؟ قال: من الواهنة، فقال: انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهناً، فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبداً)، رواه أحمد بسند لا بأس به].
هذا الباب هو: (من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه)، أي: أن يظن الإنسان أنه إذا وضع شيئاً من حجر أو نحوه في يده أو على مكان في جسده به مرض أن هذا الشيء يكشف هذا المرض، وقد يقول: إنه ليس هو الذي يكشف هذا المرض ولكن الله الذي يكشف هذا المرض، فيتعلق بهذه الحلقة أو بهذا الخيط الذي وضعه، وهذا من الشرك بالله سبحانه وتعالى، وإذا أخذ شيئاً وهو يعلم أنه لا ينفع ولا يضر فيجعله على مكان الألم يظن أنه ينفعه فهو من الشرك كذلك.
أما تداوي الإنسان بالأدوية التي جعلها الله عز وجل أسباباً للشفاء فليس من هذا الباب، فإذا علق إنسان خرطوماً على يده يعتقد أنه يأتي له بالحظ أو ينفعه في المرض الذي هو فيه، فهذا لا ينفع ولا يضر وهو من الشرك، لكن لو علقوا له خرطوماً فيه محلولاً ووصلوه بالوريد، فالظاهر أن هذا خرطوم وذاك خرطوم، وهذا متعلق وذاك متعلق، ولكن الأسباب التي أجراها الله عز وجل: أن هذا فيه شفاء بإذن رب العالمين وفيه دواء معلوم، أما ذاك الآخر فهو وهم من الإنسان، فيعتقد شيئاً لا يكون حقيقة، كذلك حين يلف إنسان خرقة على يده ويعتقد أن هذه الخرقة تنفع أو تضر.
فهذا من الشرك.
كذلك لو أن إنساناً أصيبت يده فوضع حولها الشاش والقطن.
فهذه خرقة كالأولى، لكن الأولى كانت من الشرك لاعتقاده أنها تنفع وتضر، وأما الثانية فاعتقاده فيها أنها سبب جعله الله عز وجل مداواة للجرح، وأجرى العادة على أنها تنفع إذا وضعها بهذه الطريقة، وهو أن يلف الجبس على رجله.
ففرق بين ما أجرى الله عز وجل به العادة أنه ينفع تطبباً، وبين ما لم تجر العادة بذلك، فيعتقد الإنسان أنه ينفع ويضر، وهو من الشرك بالله سبحانه وتعالى، كمن لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه.
فإذا كان يعتقد أنه إذا وضع ذلك في هذا المكان أن الله سيرفع البلاء، وقد كان أجرى الأسباب أن هذا يرفع البلاء بإذن الله عز وجل لم يكن شركاً بالعادة التي أجراها الله عز وجل لذلك، مثل الجبس الذي يلفه على يده.
وإذا أخذ وتراً قديماً كان على بعير أو قوساً وأراد أن يعلقه على البعير معتقداً أن هذا الوتر سيمنع المرض عن هذا البعير فهذا ليس من التطبب وليس دواءً، وقد يزعم أن هذا الشيء يرفع المرض ولكن لم يأذن الله عز وجل بذلك الشيء أن يكون سبباً في رفع المرض قبل ذلك، وقد يكون من وراء ذلك اعتقاد آخر وهو أن هذا الشيء القديم سيجذب الجن حتى يأتوا لشفاء هذا المريض، سواء أظهر ذلك الاعتقاد أو أخفاه.
كما يعتقد بعض الناس فيما يعلقه من تمائم وغيرها أن الجن يعينونه أو يصرفون عنه الضر، وهذا أشرك بالله؛ لأنه اعتقد أن غير الله ينفع مع الله، أو يرفع البأس مع الله سبحانه، وقد لا يكون البلاء موجوداً ولكنه علق حلقة من أجل أن تمنعه مما يأتي، وكما يحصل من بعض الناس إذا اشترى بيتاً جديداً فإنه يذبح خروفاً على عتبة البيت، ويعتقد أن الدم الذي يسيل من الخروف هو قربان للجن حتى لا يؤذونه في يوم من الأيام، وقد لا يعتقد ذلك، ولكنه يقلد من يفعل هذا الشيء بزعم أن هذا ينفع أو يضر، وهذا من الشرك بالله تبارك وتعالى.