فإن قيل: قد تقدم في أول الكتاب من الآيات ما يبين معنى "لا إله إلا الله" وما تضمنته من التوحيد كقوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ} 1 وسابقها ولاحقها. وكذلك ما ذكره في الأبواب بعدها، فما فائدة هذه الترجمة؟.

قيل: هذه الآيات المذكورات في هذا الباب فيها مزيد بيان بخصوصها لمعنى كلمة الإخلاص وما دلت عليه: من توحيد العبادة. وفيها: الحجة على من تعلق على الأنبياء والصالحين يدعوهم ويسألهم؛ لأن ذلك هو سبب نزول بعض هذه الآيات، كالآية الأولى {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ} 2. أكثر المفسرين على أنها نزلت فيمن يعبد المسيح وأمه، والعزير والملائكة، وقد نهى الله عن ذلك أشد النهي، كما في هذه الآية من التهديد والوعيد على ذلك. وهذا يدل على أن دعاءهم من دون الله شرك بالله ينافي التوحيد، وينافي شهادة أن لا إله إلا الله؛ فإن التوحيد أن لا يدعى إلا الله وحده. وكلمة الإخلاص نفت هذا الشرك، لأن دعوة غير الله تأليه وعبادة له.

و"الدعاء مخ العبادة" 3.

وفي هذه الآية: أن المدعو لا يملك لداعيه كشف ضرر ولا تحويله من مكان إلى مكان، ولا من صفة إلى صفة، ولو كاز المدعو نبيا أو ملكا. وهذا يقرر بطلان دعوة كل مدعو من دون الله كائنا من كان؛ لأن دعوته تجعل داعيه أحوج ما كان إليها؛ لأنه أشرك مع الله من لا ينفعه ولا يضره. وهذه الآية تقرر التوحيد ومعنى لا إله إلا الله.

وقوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} 45 يبين أن هذا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015