ملؤها أو ما يقارب ملئها.

قوله: "ثم لقيتني لاتشرك بي شيئا" شرط ثقيل في الوعد بحصول المغفرة، وهو السلامة من الشرك: كثيره وقليله، صغيره وكبيره. ولا يسلم من ذلك إلا من سلم الله تعالى، وذلك هو القلب السليم كما قال تعالى: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} 1.

السادسة: أنك إذا جمعت بينه وبين حديث عتبان وما بعده تبين لك معنى قول: " لا إله إلا الله"، وتبين لك خطأ المغرورين 2.

قال ابن رجب: من جاء مع التوحيد بقراب الأرض خطايا لقيه الله بقرابها مغفرة - إلى أن قال - فإن كمل توحيد العبد وإخلاصه لله تعالى فيه، وقام بشروطه بقلبه ولسانه وبجوارحه، أو بقلبه ولسانه عند الموت، أوجب ذلك مغفرة ما قد سلف من الذنوب كلها، ومنعه من دخول النار بالكلية. فمن تحقق بكلمة التوحيد قلبه أخرجت منه كل ما سوى الله: محبة وتعظيما، وإجلالا ومهابة وخشية وتوكلا، وحينئذ تحرق ذنوبه وخطاياه كلها، وإن كانت مثل زبد البحر. اهـ ملخصا.

قال العلامة ابن القيم - رحمه الله تعالى - في معنى الحديث: "ويعفى لأهل التوحيد المحض الذي لم يشوبوه بالشرك ما لا يعفى لمن ليس كذلك. فلو لقي الموحد الذي لم يشرك بالله شيئا ألبته ربه بقراب الأرض خطايا أتاه بقرابها مغفرة; ولا يحصل هذا لمن نقص توحيده؛ فإن التوحيد الخالص الذي لا يشوبه شرك لا يبقى معه ذنب؛ لأنه يتضمن من محبة الله وإجلاله وتعظيمه، وخوفه ورجائه وحده ما يوجب غسل الذنوب ولو كانت قراب الأرض، فالنجاسة عارضة والدافع لها قوي". اهـ.

وفي هذا الحديث: كثرة ثواب التوحيد، وسعة كرم الله وجوده ورحمته، والرد على الخوارج الذين يكفرون المسلم بالذنوب، وعلى المعتزلة القائلين بالمنزلة بين المنزلتين، وهي الفسوق، ويقولون ليس بمؤمن ولا كافر، ويخلد في النار. والصواب

قول أهل السنة: أنه لا يسلب عنه اسم الإيمان، ولا يعطاه على الإطلاق، بل يقال: هو مؤمن عاص، أو مؤمن بإيمانه، فاسق بكبيرته. وعلى هذا يدل الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015